الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ . التَّحْقِيقُ أنَّ أتْبَعَ واتَّبَعَ بِمَعْنًى واحِدٍ. فَقَوْلُهُ: فَـ أتْبَعَهم أيِ: اتَّبَعَهم، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠] وقَوْلُهُ: ﴿فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ١٧٥] . والمَعْنى: أنَّ مُوسى لَمّا أسْرى بِبَنِي إسْرائِيلَ لَيْلًا أتْبَعَهم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ﴾ [طه: ٧٨] أيِ: البَحْرِ ما غَشِيَهم أيْ: أغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وجُنُودَهُ في البَحْرِ فَهَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ. وما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن أنَّ فِرْعَوْنَ أتْبَعَ بَنِي إسْرائِيلَ هو وجُنُودُهُ، وأنَّ اللَّهَ أغْرَقَهم في البَحْرِ أُوَضِّحُهُ في غَيْرِ هَذا (p-٧٢)المَوْضِعِ. وقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّهُمُ اتَّبَعُوهم في أوَّلِ النَّهارِ عِنْدَ إشْراقِ الشَّمْسِ، فَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى اتِّباعِهِ لَهم قَوْلُهُ تَعالى في ”الشُّعَراءِ“: ﴿وَأوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ [الشعراء: ٥٢] يَعْنِي سَيَتْبَعُكم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ. ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ اتِّباعِهِ لَهم فَقالَ ﴿فَأرْسَلَ فِرْعَوْنُ في المَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ ﴿إنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ ﴿وَإنَّهم لَنا لَغائِظُونَ﴾ ﴿وَإنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ﴾ ﴿فَأخْرَجْناهم مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وَكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿كَذَلِكَ وأوْرَثْناها بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ﴾ فَلَمّا ﴿تَراءى الجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ﴾ ﴿قالَ كَلّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٥٣ - ٦٢] . وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ﴾ أيْ: أوَّلَ النَّهارِ عِنْدَ إشْراقِ الشَّمْسِ. ومِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى ذَلِكَ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى في ”يُونُسَ“: ﴿وَجاوَزْنا بِبَنِي إسْرائِيلَ البَحْرَ فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا﴾ [يونس: ٩٠] وقَوْلُهُ في ”الدُّخانِ“: ﴿فَأسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ [الدخان: ٢٣] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى إتْباعِهِ لَهم. وأمّا غَرَقُهُ هو وجَمِيعُ قَوْمِهِ المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هُنا: ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ فَقَدْ أوْضَحَهُ تَعالى في مَواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِن كِتابِهِ العَزِيزِ. • كَقَوْلِهِ في ”الشُّعَراءِ“: ﴿فَأوْحَيْنا إلى مُوسى أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ﴾ ﴿وَأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ﴾ ﴿وَأنْجَيْنا مُوسى ومَن مَعَهُ أجْمَعِينَ﴾ ﴿ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٦٣ - ٦٧] • وقَوْلِهِ في ”الأعْرافِ“: ﴿فانْتَقَمْنا مِنهم فَأغْرَقْناهم في اليَمِّ﴾ [ ١٣٦ ] • وقَوْلِهِ في ”الزُّخْرُفِ“: ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنهم فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: ٥٥] • وقَوْلِهِ في ”البَقَرَةِ“: ﴿وَإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ فَأنْجَيْناكم وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٠] • وقَوْلِهِ في ”يُونُسَ“: ﴿حَتّى إذا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] • وقَوْلِهِ في ”الدُّخانِ“: ﴿واتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا إنَّهم جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ [الدخان: ٢٤] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. والتَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ المُبْهَمِ الَّذِي هو المَوْصُولُ في قَوْلِهِ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨] يَدُلُّ عَلى تَعْظِيمِ الأمْرِ وتَفْخِيمِ شَأْنِهِ، ونَظِيرُهُ في القُرْآنِ قَوْلُهُ: ﴿إذْ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ [النجم: ١٦] وقَوْلُهُ: ﴿والمُؤْتَفِكَةَ أهْوى﴾ ﴿فَغَشّاها ما غَشّى﴾ [النجم: ٥٣ - ٥٤] وقَوْلُهُ: ﴿فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ [النجم: ١٠] . واليَمُّ: البَحْرُ. والمَعْنى: فَأصابَهم مِنَ البَحْرِ ما أصابَهم وهو الغَرَقُ، والهَلاكُ المُسْتَأْصِلُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب