الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنها خَلَقْناكم وفِيها نُعِيدُكم ومِنها نُخْرِجُكم تارَةً أُخْرى﴾.
الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ”مِنها“ مَعًا، وقَوْلِهِ فِيها راجِعٌ إلى ”الأرْضَ“ المَذْكُورَةَ في قَوْلِهِ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا﴾ .
وَقَدْ ذُكِرَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ثَلاثُ مَسائِلَ:
الأُولى: أنَّهُ خَلَقَ بَنِي آدَمَ مِنَ الأرْضِ.
الثّانِيَةُ: أنَّهُ يُعِيدُهم فِيها.
الثّالِثَةُ: أنَّهُ يُخْرِجُهم مِنها مَرَّةً أُخْرى. وهَذِهِ المَسائِلُ الثَّلاثُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ جاءَتْ مُوَضَّحَةً في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
أمّا خَلْقُهُ إيّاهم مِنَ الأرْضِ فَقَدْ ذَكَرَهُ في مَواضِعَ مِن كِتابِهِ. كَقَوْلِهِ ﴿ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ﴾ الآيَةَ [الحج: ٥]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن آياتِهِ أنْ خَلَقَكم مِن تُرابٍ﴾ الآيَةَ [الروم: ٢٠]، وقَوْلُهُ في سُورَةِ ”المُؤْمِنِ“: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن تُرابٍ﴾ [غافر: ٦٧]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
والتَّحْقِيقُ أنَّ مَعْنى خَلْقِهِ النّاسَ مِن تُرابٍ أنَّهُ خَلَقَ أباهم آدَمَ مِنها. كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ٥٩] . ولَمّا خَلَقَ أباهم مِن تُرابٍ وكانُوا تَبَعًا لَهُ في الخَلْقِ صَدَقَ عَلَيْهِمْ أنَّهم خُلِقُوا مِن تُرابٍ. وما يَزْعُمُهُ (p-٢٥)بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِن أنَّ مَعْنى خَلْقِهِمْ مِن تُرابٍ أنَّ النُّطْفَةَ إذا وقَعَتْ في الرَّحِمِ انْطَلَقَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِالرَّحِمِ فَأخَذَ مِن تُرابِ المَكانِ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ فَيَذْرُهُ عَلى النُّطْفَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ النَّسَمَةَ مِنَ النُّطْفَةِ، والتُّرابِ مَعًا فَهو خِلافُ التَّحْقِيقِ. لِأنَّ القُرْآنَ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَرْحَلَةَ النُّطْفَةِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ التُّرابِ بِمُهْلَةٍ. فَهي غَيْرُ مُقارِنَةٌ لَها بِدَلِيلِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُما بِـ ”ثُمَّ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ﴾ [الحج: ٥]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ﴾ الآيَةَ [غافر: ٦٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ ﴿ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِن طِينٍ﴾ ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٦ - ٨]
وكَذَلِكَ ما يَزْعُمُهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ مِن أنَّ مَعْنى خَلْقِهِمْ مِن تُرابٍ أنَّ المُرادَ أنَّهم خُلِقُوا مِنَ الأغْذِيَةِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنَ الأرْضِ فَهو ظاهِرُ السُّقُوطِ كَما تَرى.
وَأمّا المَسْألَةُ الثّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَها تَعالى أيْضًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ. وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتًا﴾ ﴿أحْياءً وَأمْواتًا﴾ [المرسلات: ٢٥ - ٢٦] فَقَوْلُهُ ﴿كِفاتًا﴾ [المرسلات: ٢٦] أيْ مَوْضِعُهُمُ الَّذِي يَكْفِتُونَ فِيهِ أيْ يُضَمُّونَ فِيهِ: أحْياءً عَلى ظَهْرِها، وأمْواتًا في بَطْنِها. وهو مَعْنى قَوْلِهِ ﴿وَفِيها نُعِيدُكُمْ﴾ .
وَأمّا المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: وهي إخْراجُهم مِنَ الأرْضِ أحْياءً يَوْمَ القِيامَةِ فَقَدْ جاءَتْ مُوَضَّحَةً في آياتٍ كَثِيرَةٍ.
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩] أيْ مِن قُبُورِكم أحْياءً بَعْدَ المَوْتِ،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ﴾ [ق: ١١] أيْ مِنَ القُبُورِ بِالبَعْثِ يَوْمَ القِيامَةِ،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأخْرَجْنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِراعًا كَأنَّهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ﴾ [ق: ٤٢]،
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿مِنها خَلَقْناكُمْ﴾ الآيَةَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وفِيها تَمُوتُونَ ومِنها تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: ٢٥] . والتّارَةُ في قَوْلِهِ ﴿تارَةً أُخْرى﴾ بِمَعْنى (p-٢٦)المَرَّةِ. وفي حَدِيثِ السُّنَنِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَضَرَ جِنازَةً، فَلَمّا أرادُوا دَفْنَ المَيِّتِ أخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرابِ فَألْقاها في القَبْرِ وقالَ ﴿مِنها خَلَقْناكُمْ﴾ ثُمَّ أخَذَ أُخْرى وقالَ ﴿وَفِيها نُعِيدُكُمْ﴾ ثُمَّ أُخْرى وقالَ ﴿وَمِنها نُخْرِجُكم تارَةً أُخْرى﴾» .
{"ayah":"۞ مِنۡهَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ وَفِیهَا نُعِیدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











