الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾. أمَرَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا نَبِيَّهُ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامِ: أنْ يَقُولا لِفِرْعَوْنَ في حالِ تَبْلِيغِ رِسالَةِ اللَّهِ إلَيْهِ ﴿قَوْلًا لَيِّنًا﴾ أيْ كَلامًا لَطِيفًا سَهْلًا رَقِيقًا، لَيْسَ فِيهِ ما يُغْضِبُ ويُنَفِّرُ. وقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلا المُرادَ بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ في هَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾ ﴿وَأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى﴾ [النازعات: ١٧ - ١٨] وهَذا، واللَّهِ غايَةُ لِينِ الكَلامِ ولَطافَتِهِ ورِقَّتِهِ كَما تَرى. وما أُمِرَ بِهِ مُوسى وهارُونُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أشارَ لَهُ تَعالى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] . * مَسْألَةٌ يُؤْخَذُ مِن هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللَّهِ يَجِبُ أنْ تَكُونَ بِالرِّفْقِ، واللِّينِ. لا بِالقَسْوَةِ، والشِّدَّةِ، والعُنْفِ. كَما بَيَّنّاهُ في سُورَةِ ”المائِدَةِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلَيْكم أنْفُسَكُمْ﴾ [ الآيَةَ ١٠٥ ] . وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: قالَ يَزِيدُ الرَّقاشِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ [طه: ٤٤]: يا مَن يَتَحَبَّبُ إلى مَن يُعادِيهِ، فَكَشَفَ بِمَن يَتَوَلّاهُ ويُنادِيهِ ؟ اه ولَقَدْ صَدَقَ مَن قالَ: ؎وَلَوْ أنَّ فِرْعَوْنَ لَمّا طَغى وقالَ عَلى اللَّهِ إفْكًا وزُورًا ؎أنابَ إلى اللَّهِ مُسْتَغْفِرًا ∗∗∗ لَما وجَدَ اللَّهَ إلّا غَفُورًا (p-١٦)وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ قَدْ قَدَّمْنا قَوْلَ بَعْضِ العُلَماءِ: إنَّ ”لَعَلَّ“ في القُرْآنِ بِمَعْنى التَّعْلِيلِ، إلّا الَّتِي في سُورَةِ ”الشُّعَراءِ“: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾ [ ١٢٩ ] فَهي بِمَعْنى كَأنَّكم. وقَدْ قَدَّمْنا أيْضًا أنَّ ”لَعَلَّ“ تَأْتِي في العَرَبِيَّةِ لِلتَّعْلِيلِ. ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎فَقُلْتُمْ لَنا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنا ∗∗∗ نَكُفُّ ووَثَّقْتُمْ لَنا كُلَّ مَوْثِقِ ؎فَلَمّا كَفَفْنا الحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكم ∗∗∗ كَشِبْهِ سَرابٍ بِالمَلا مُتَألِّقِ فَقَوْلُهُ: ”لَعَلَّنا نَكُفُّ“ أيْ لِأجْلِ أنْ نَكُفَّ. وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ مَعْناهُ عَلى رَجائِكُما وطَمَعِكُما، فالتَّرَجِّي، والتَّوَقُّعُ المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِلَعَلَّ راجِعٌ إلى جِهَةِ البَشَرِ. وعَزا القُرْطُبِيُّ هَذا القَوْلَ لِكُبَراءِ النَّحْوِيِّينَ كَسِيبَوَيْهِ، وغَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب