الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى﴾ ﴿إذْ أوْحَيْنا إلى أُمِّكَ ما يُوحى﴾ ﴿أنِ اقْذِفِيهِ في التّابُوتِ فاقْذِفِيهِ في اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وعَدُوٌّ لَهُ﴾ .
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ. أنَّهُ مَنَّ عَلى مُوسى مَرَّةً أُخْرى قَبْلَ مَنِّهِ عَلَيْهِ بِالرِّسالَةِ ورِسالَةِ أخِيهِ مَعَهُ، وذَلِكَ بِإنْجائِهِ مِن فِرْعَوْنَ وهو صَغِيرٌ، إذْ أوْحى إلى أُمِّهِ أيْ ألْهَمَها وقَذَفَ في قَلْبِها، وقالَ بَعْضُهم: هي رُؤْيا مَنامٍ. وقالَ بَعْضُهم: أوْحى إلَيْها ذَلِكَ بِواسِطَةِ مَلَكٍ كَلَّمَها بِذَلِكَ. ولا يَلْزَمُ مِنَ الإيحاءِ في أمْرٍ خاصٍّ أنْ يَكُونَ المُوحى إلَيْهِ نَبِيًّا، و ”أنْ“ في قَوْلِهِ ﴿أنِ اقْذِفِيهِ﴾ هي المُفَسِّرَةُ، لِأنَّ الإيحاءَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ. والتَّعْبِيرُ بِالمَوْصُولِ في قَوْلِهِ ﴿ما يُوحى﴾ لِلدَّلالَةِ عَلى تَعْظِيمِ شَأْنِ الأمْرِ المَذْكُورِ.
• كَقَوْلِهِ: ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨]،
• وقَوْلِهِ ﴿فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ [النجم: ١٠]، والتّابُوتُ: الصُّنْدُوقُ. واليَمُّ: البَحْرُ. والسّاحِلُ: شاطِئُ البَحْرِ. والبَحْرُ المَذْكُورُ: نِيلُ مِصْرَ. والقَذْفُ: الإلْقاءُ، والوَضْعُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب: ٢٦] ومَعْنى ﴿اقْذِفِيهِ في التّابُوتِ﴾ أيْ ضَعِيهِ في الصُّنْدُوقِ. (p-٩)والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ﴿أنِ اقْذِفِيهِ﴾ راجِعٌ إلى مُوسى بِلا خِلافٍ. وأمّا الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ﴿فاقْذِفِيهِ في اليَمِّ﴾
• وقَوْلِهِ ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ فَقِيلَ: راجِعٌ إلى التّابُوتِ. والصَّوابُ رُجُوعُهُ إلى مُوسى في داخِلِ التّابُوتِ، لِأنَّ تَفْرِيقَ الضَّمائِرِ غَيْرُ حَسَنٍ، وقَوْلُهُ ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: ٣٩]
هو فِرْعَوْنُ، وصِيغَةُ الأمْرِ في قَوْلِهِ ﴿فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسّاحِلِ﴾ فِيها وجْهانِ مَعْرُوفانِ عِنْدَ العُلَماءِ:
أحَدُهُما أنَّ صِيغَةَ الأمْرِ مَعْناها الخَبَرُ، قالَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ المُحِيطِ: ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ أمْرٌ مَعْناهُ الخَبَرُ، وجاءَ بِصِيغَةِ الأمْرِ مُبالَغَةً، إذِ الأمْرُ أقْطَعُ الأفْعالِ وأوْجَبُها.
الوَجْهُ الثّانِي أنَّ صِيغَةَ الأمْرِ في قَوْلِهِ ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ أُرِيدَ بِها الأمْرُ الكَوْنِيُّ القَدَرِيُّ، كَقَوْلِهِ ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] فالبَحْرُ لا بُدَّ أنْ يُلْقِيَهُ بِالسّاحِلِ، لِأنَّ اللَّهَ أمَرَهُ بِذَلِكَ كَوْنًا وقَدَرًا. وقَدْ قَدَّمْنا ما يُشْبِهُ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] .
وَما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآياتِ أوْضَحَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ في ”القَصَصِ“: ﴿وَأوْحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى أنْ أرْضِعِيهِ فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألْقِيهِ في اليَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٧ - ٨] وقَدْ بَيَّنَ تَعالى شِدَّةَ جَزَعِ أُمِّهِ عَلَيْهِ لَمّا ألْقَتْهُ في البَحْرِ، وألْقاهُ اليَمُّ بِالسّاحِلِ، وأخَذَهُ عَدُوُّهُ فِرْعَوْنُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿يَأْخُذْهُ﴾ مَجْزُومٌ في جَوابِ الطَّلَبِ الَّذِي هو ﴿فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسّاحِلِ﴾ وعَلى أنَّهُ بِمَعْنى الأمْرِ الكَوْنِيِّ فالأمْرُ واضِحٌ. وعَلى أنَّهُ بِمَعْنى الخَبَرِ فالجَزْمُ مُراعاةٌ لِصِيغَةِ اللَّفْظِ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. وذَكَرَ في قِصَّتِها أنَّها صَنَعَتْ لَهُ التّابُوتَ وطَلَتْهُ بِالقارِ وهو الزِّفْتُ لِئَلّا يَتَسَرَّبَ مِنهُ الماءُ إلى مُوسى في داخِلِ التّابُوتِ، وحَشَتْهُ قُطْنًا مَحْلُوجًا. وقِيلَ: إنَّ التّابُوتَ المَذْكُورَ مِن شَجَرِ الجُمَّيْزِ، وأنَّ الَّذِي نَجَرَهُ لَها هو مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، قِيلَ: واسْمُهُ حِزْقِيلَ. وكانَتْ عَقَدَتْ في التّابُوتِ حَبْلًا فَإذا خافَتْ عَلى مُوسى مِن عُيُونِ فِرْعَوْنَ أرْسَلَتْهُ في البَحْرِ وأمْسَكَتْ طَرَفَ الحَبْلِ عِنْدَها، فَإذا أمِنَتْ جَذَبَتْهُ إلَيْها بِالحَبْلِ. فَذَهَبَتْ مَرَّةً لِتَشُدَّ الحَبْلَ في مَنزِلِها فانْفَلَتَ مِنها وذَهَبَ البَحْرُ بِالتّابُوتِ الَّذِي فِيهِ مُوسى فَحَصَلَ لَها بِذَلِكَ مِنَ الغَمِّ، والهَمِّ ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في قَوْلِهِ ﴿وَأصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا﴾ الآيَةَ [القصص: ١٠] .
(p-١٠)وَما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ عَلى مُوسى حَيْثُ قالَ ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى﴾ [طه: ٣٧] أشارَ إلى ما يُشْبِهُهُ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ الآيَةَ [الصافات: ١١٤] .
{"ayah":"وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَیۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق