الباحث القرآني
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
(p-٣٣٥)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ طه
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُ أُخْفِيها﴾ .
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ يُتَوَهَّمُ مِنها أنَّهُ جَلَّ وعَلا لَمْ يُخْفِها بِالفِعْلِ ولَكِنَّهُ قارَبَ أنْ يُخْفِيَها لِأنَّ كادَ فِعْلُ مُقارَبَةٍ.
وَقَدْ جاءَ في آياتٍ أُخَرَ التَّصْرِيحُ بِأنَّهُ أخْفاها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩] .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أنَّ المُرادَ بِمَفاتِحِ الغَيْبِ الخَمْسُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾ الآيَةَ [ ٣١ ] .
وَكَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف: ١٨٧] وقَوْلِهِ: ﴿فِيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها﴾ [النازعات: ٤٣] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
والجَوابُ مِن سَبْعَةِ أوْجُهٍ:
الأوَّلُ: وهو الرّاجِحُ، أنَّ مَعْنى الآيَةِ: أكادُ أُخْفِيها مِن نَفْسِي، أيْ لَوْ كانَ ذَلِكَ يُمْكِنُ، وهَذا عَلى عادَةِ العَرَبِ، لَأنَّ القُرْءانِ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، والواحِدُ مِنهم إذا أرادَ المُبالَغَةَ في كِتْمانِ أمْرٍ قالَ: كَتَمْتُهُ مِن نَفْسِي، أيْ لا أبُوحُ لِأحَدٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أيّامُ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وأُخْبِرُها ما كِدْتُ أكْتُمُهُ عَنِّي مِنَ الخَبَرِ
وَنَظِيرُ هَذا مِنَ المُبالَغَةِ قَوْلُهُ ﷺ في حَدِيثِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفاها حَتّى لا تَعْلَمُ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ» وهَذا القَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ، ومِمَّنْ قالَ بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ وأبُو صالِحٍ كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ وجَعْفَرٌ الصّادِقُ، كَما نَقَلَهُ عَنْهُ الألُوسِيُّ في تَفْسِيرِهِ، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ أنَّ في مُصْحَفِ أُبَيٍّ: ”أكادُ أُخْفِيها مِن نَفْسِي“، (p-٣٣٦)كَما نَقَلَهُ الألُوسِيُّ وغَيْرُهُ.
وَرَوى ابْنُ خالَوَيْهِ أنَّها في مُصْحَفِ أُبَيٍّ كَذَلِكَ بِزِيادَةِ: ”فَكَيْفَ أُظْهِرُكم عَلَيْها“، وفي بَعْضِ القِراءاتِ بِزِيادَةِ: ”فَكَيْفَ أُظْهِرُها لَكم“ وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِزِيادَةِ: ”فَكَيْفَ يَعْلَمُها مَخْلُوقٌ“ كَما نَقَلَهُ الألُوسِيُّ وغَيْرُهُ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ مَعْنى الآيَةِ ﴿أكادُ أُخْفِيها﴾ أيْ أُخْفِي الأخْبارَ بِأنَّها آتِيَةٌ، والمَعْنى أقْرُبُ أنْ أتْرُكَ الإخْبارَ عَنْ إتْيانِها مِن أصْلِهِ لِشِدَّةِ إخْفائِي لِتَعْيِينِ وقْتِ إتْيانِها.
الوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّ الهَمْزَةَ في قَوْلِهِ: أُخْفِيها، هي هَمْزَةُ السَّلْبِ لِأنَّ العَرَبَ كَثِيرًا ما تَجْعَلُ الهَمْزَةَ أداةً لِسَلْبِ الفِعْلِ، كَقَوْلِهِمْ: شَكا إلَيَّ فُلانٌ فَأشْكَيْتُهُ أيْ أزَلْتُ شِكايَتَهُ، وقَوْلِهِمْ: عَقَلَ البَعِيرَ فَأعْقَلْتُهُ، أيْ أزَلْتُ عِقالَهُ.
وَعَلى هَذا فالمَعْنى: ﴿أكادُ أُخْفِيها﴾ أيْ أُزِيلُ خَفاءَها بِأنْ أُظْهِرَها لِقُرْبِ وقْتِها، كَما قالَ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ﴾ الآيَةَ [ ٥٤ ]، وهَذا القَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أبِي عَلِيٍّ، كَما نَقَلَهُ عَنْهُ الألُوسِيُّ في تَفْسِيرِهِ، ونَقَلَهُ النَّيْسابُورِيُّ في تَفْسِيرِهِ عَنْ أبِي الفَتْحِ المَوْصِلِيِّ.
وَمِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ بْنِ عابِسٍ الكِنْدِيِّ:
؎فَإنْ تَدْفِنُوا الدّاءَ لا نُخْفِهِ ∗∗∗ وإنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدُ
عَلى رِوايَةِ ضَمِّ النُّونِ مِن: لا نُخْفِهِ، وقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ المُثَنّى أنَّهُ قالَ: أنْشَدَنِيهِ أبُو الخَطّابِ عَنْ أهْلِهِ في بَلَدِهِ بِضَمِّ النُّونِ مِن: لا نُخْفِهِ، ومَعْناهُ: لا نُظْهِرُهُ.
أمّا عَلى الرِّوايَةِ المَشْهُورَةِ بِفَتْحِ النُّونِ مِن: لا نَخْفِهِ، فَلا شاهِدَ في البَيْتِ إلّا عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: ”أكادُ أخْفِيها“ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ ومِمَّنْ قَرَأ بِذَلِكَ أبُو الدَّرْداءِ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ وحُمَيْدٌ، ورُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وعاصِمٍ، وإطْلاقُ خَفاهُ يَخْفِيهِ بِفَتْحِ الياءِ بِمَعْنى أظْهَرَهُ إطْلاقٌ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ، إلّا أنَّ القِراءَةَ بِهِ لا تَخْلُو مِن شُذُوذٍ.
وَمِنهُ البَيْتُ المَذْكُورُ عَلى رِوايَةِ فَتْحِ النُّونِ وقَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ أوْ غَيْرِهِ:
؎دَأبَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا ∗∗∗ بِأرِيكَيْنِ يُخْفِيانِ غَمِيرًا
أيْ يُظْهِرانِهِ. وقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:(p-٣٣٧)
؎خَفاهُنَّ مِن إنْفاقِهِنَّ كَأنَّما ∗∗∗ خَفاهُنَّ ودْقٌ مِن عَشِيٍّ مُجَلَّبِ
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ خَبَرَ كادَ مَحْذُوفٌ، والمَعْنى عَلى هَذا القَوْلِ أنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُ أُظْهِرُها، فَحَذَفَ الخَبَرَ ثُمَّ ابْتَدَأ الكَلامَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾ [طه: ١٥]، ونَظِيرُ ذَلِكَ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ ضابِئِ بْنِ الحارِثِ البُرْجُمِيِّ:
؎هَمَمْتُ ولَمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي ∗∗∗ تَرَكَتْ عَلى عُثْمانَ تَبْكِي حَلائِلُهْ
يَعْنِي: وكِدْتُ أفْعَلُ.
الوَجْهُ الخامِسُ: أنَّ كادَ تَأْتِي بِمَعْنى أرادَ، وعَلَيْهِ فَمَعْنى: ﴿أكادُ أُخْفِيها﴾ أُرِيدُ أنَّ أُخْفِيَها، وإلى هَذا القَوْلِ ذَهَبَ الأخْفَشُ وابْنُ الأنْبارِيِّ وأبُو مُسْلِمٍ كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ الألُوسِيُّ وغَيْرُهُ.
قالَ ابْنُ جِنِّي في المُحْتَسَبِ، ومِن مَجِيءٍ كادَ بِمَعْنى أرادَ، قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎كادَتْ وكِدْتُ وتِلْكَ خَيْرُ إرادَةٍ ∗∗∗ لَوْ عادَ مِن لَهْوِ الصَّبابَةِ ما مَضى
كَما نَقَلَهُ الألُوسِيُّ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّ مِن مَجِيءٍ كادَ بِمَعْنى أرادَ قَوْلَهُ تَعالى ﴿كَذَلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ﴾ [ ١٢ ]، أيْ أرَدْنا لَهُ كَما ذَكَرَهُ النَّيْسابُورِيُّ وغَيْرُهُ.
وَمِنهُ قَوْلُ العَرَبِ لا أفْعَلُ كَذا ولا أكادُ أيْ لا أُرِيدُ كَما نَقَلَهُ بَعْضُهم.
الوَجْهُ السّادِسُ: أنَّ كادَ مِنَ اللَّهِ تَدُلُّ عَلى الوُجُوبِ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ عَسى في كَلامِهِ تَعالى نَحْوَ: ﴿قُلْ عَسى أنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١]، أيْ هو قَرِيبٌ.
وَعَلى هَذا فَمَعْنى: ﴿أكادُ أُخْفِيها﴾ أنا أُخْفِيها.
الوَجْهُ السّابِعُ: أنَّ كادَ صِلَةٌ، وعَلَيْهِ فالمَعْنى ﴿إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُ أُخْفِيها﴾ ﴿لِتُجْزى﴾ الآيَةَ، واسْتَدَلَّ قائِلُ هَذا القَوْلِ بِقَوْلِ زِيدِ الخَيْلِ:
؎سَرِيعٌ إلى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحُهُ ∗∗∗ فَما أنْ يَكادَ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
أيْ فَما يَتَنَفَّسُ قِرْنُهُ، قالُوا: ومِن هَذا القَبِيلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَمْ يَكَدْ يَراها﴾ [النور: ٤٠]، أيْ لَمْ يَرَها، وقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:(p-٣٣٨)
؎إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ∗∗∗ رَسِيسُ الهَوى مِن حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أيْ لَمْ يَبْرَحْ عَلى قَوْلِ هَذا القائِلِ.
قالُوا: ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ أبِي النَّجْمِ:
؎وَإنْ أتاكَ نَعِيٌّ فانْدُبَنَّ أبًا ∗∗∗ قَدْ كادَ يَطَّلِعُ الأعْداءُ والخُطُبا
أيْ قَدِ اطَّلَعَ الأعْداءُ.
وَقَدْ قَدَّمْنا أنَّ أرْجَحَ الأقْوالِ الأوَّلُ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةٌ أَكَادُ أُخۡفِیهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق