الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِن رَبِّهِ أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى﴾ . أظْهَرُ الأقْوالِ عِنْدِي في مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ الكُفّارَ اقْتَرَحُوا - عَلى عادَتِهِمْ في التَّعَنُّتِ - آيَةً عَلى النُّبُوَّةِ كالعَصا واليَدِ مِن آياتِ مُوسى، وكَناقَةِ صالِحٍ، واقْتِراحِهِمْ لِذَلِكَ بِحَرْفِ التَّحْضِيضِ الدّالِّ عَلى شِدَّةِ الحَضِّ في طَلَبِ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿لَوْلا يَأْتِينا﴾ [طه: ١٣٨]، أيْ: هَلّا يَأْتِينا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ: كَناقَةِ صالِحٍ، وعَصا مُوسى، أيْ: نَطْلُبُ ذَلِكَ مِنهُ بِحَضٍّ وحَثٍّ. فَأجابَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى﴾ [طه: ١٣٣] وهي هَذا القُرْآنُ العَظِيمُ؛ لِأنَّهُ آيَةٌ هي أعْظَمُ الآياتِ وأدَلُّها عَلى الإعْجازِ. وإنَّما عَبَّرَ عَنْ هَذا القُرْآنِ العَظِيمِ بِأنَّهُ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى؛ لِأنَّ القُرْآنَ بُرْهانٌ قاطِعٌ عَلى صِحَّةِ جَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَهو بَيِّنَةٌ واضِحَةٌ عَلى صِدْقِها وصِحَّتِها: كَما قالَ تَعالى: ﴿وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أكْثَرَ الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [ ٢٧ ] وقالَ تَعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَهَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ الَّذِي هو الأظْهَرُ أوْضَحَهُ - جَلَّ وعَلا - في سُورَةِ ”العَنْكَبُوتِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [ ٢٩ - ٥١ ] فَقَوْلُهُ في ”العَنْكَبُوتِ“: ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥١] هو مَعْنى قَوْلِهِ في ”طه“: (p-١٣١)﴿أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى﴾ كَما أوْضَحْنا. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. ويَزِيدُ ذَلِكَ إيضاحًا الحَدِيثُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ: «ما مِن نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ إلّا أُوتِيَ ما آمَنَ البَشَرُ عَلى مِثْلِهِ، وإنَّما كانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وحْيًا أوْحاهُ اللَّهُ إلَيَّ، فَأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرَهم تابِعًا يَوْمَ القِيامَةِ» وفي الآيَةِ أقْوالٌ أُخَرُ غَيْرُ ما ذَكَرْنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب