الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا﴾ .
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهم يَسْألُونَهُ عَنِ الجِبالِ، وأمَرَهُ أنْ يَقُولَ لَهم: (p-٩٧)إنَّ رَبَّهُ يَنْسِفُها نَسْفًا، وذَلِكَ بِأنْ يَقْلَعَها مِن أُصُولِها، ثُمَّ يَجْعَلَها كالرَّمْلِ المُتَهايِلِ الَّذِي يَسِيلُ، وكالصُّوفِ المَنفُوشِ تُطَيِّرُها الرِّياحُ هَكَذا وهَكَذا.
واعْلَمْ أنَّهُ جَلَّ وعَلا بَيَّنَ الأحْوالَ الَّتِي تَصِيرُ إلَيْها الجِبالُ يَوْمَ القِيامَةِ في آياتٍ مِن كِتابِهِ. فَبَيَّنَ أنَّهُ يَنْزِعُها مِن أماكِنِها ويَحْمِلُها فَيَدُكُّها دَكًّا. وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٣ - ١٤]، .
ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ يُسَيِّرُها في الهَواءِ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ. وذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرِينَ﴾ ﴿وَتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٧ - ٨٨]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ وتَرى الأرْضَ بارِزَةً﴾ الآيَةَ [الكهف: ٤٧]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ [التكوير: ٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ [النبإ: ٢٠]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا وتَسِيرُ الجِبالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ٩ - ١٠]، .
ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ يُفَتِّتُها ويَدُقُّها كَقَوْلِهِ ﴿وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا﴾ أيْ: فُتِّتَتْ حَتّى صارَتْ كالبَسِيسَةِ، وهي دَقِيقٌ مَلْتُوتٌ بِسَمْنٍ أوْ نَحْوِهِ عَلى القَوْلِ بِذَلِكَ، وقَوْلِهِ: ﴿وَحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤]، .
ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ يُصَيِّرُها كالرَّمْلِ المُتَهايِلِ، وكالعِهْنِ المَنفُوشِ ؟ وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ والجِبالُ وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ [المزمل: ١٤]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ [المعارج: ٩]، في ”المَعارِجِ، والقارِعَةِ“ . والعِهْنُ: الصُّوفُ المَصْبُوغُ. ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أبِي سُلْمى في مُعَلَّقَتِهِ:
؎كَأنَّ فُتاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَمْ يُحَطَّمِ
ثُمَّ بَيَّنَ أنَّها تَصِيرُ كالهَباءِ المُنْبَثِّ في قَوْلِهِ: ﴿وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة: ٥ - ٦]، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّها تَصِيرُ سَرابًا، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ [النبإ: ٢٠]، وقَدْ بَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أنَّ السَّرابَ لا شَيْءَ. وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: ٣٩]، وبَيَّنَ أنَّهُ يَنْسِفُها نَسْفًا في قَوْلِهِ هُنا: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا﴾ [طه: ١٠٥]، .
* * *
* تَنْبِيهٌ
(p-٩٨)جَرَتِ العادَةُ في القُرْآنِ: أنَّ اللَّهَ إذا قالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: يَسْألُونَكَ قالَ لَهُ قُلْ بِغَيْرِ فاءٍ.
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٨٥]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢١٩]
• وقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِن خَيْرٍ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢١٥]
• وقَوْلِهِ ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٤]
• وقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، أمّا في آيَةِ ”طه“ هَذِهِ فَقالَ فِيها: ﴿فَقُلْ يَنْسِفُها﴾ [طه: ١٠٥]
بِالفاءِ. وقَدْ أجابَ القُرْطُبِيُّ عَنْ هَذا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ بِما نَصُّهُ: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ﴾ أيْ: عَنْ حالِ الجِبالِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَقُلْ. جاءَ هَذا بِفاءٍ، وكُلُّ سُؤالٍ في القُرْآنِ ”قُلْ“ بِغَيْرِ فاءٍ إلّا هَذا؛ لِأنَّ المَعْنى: إنْ سَألُوكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ، فَتَضَمَّنَ الكَلامُ مَعْنى الشَّرْطِ، وقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أنَّهم يَسْألُونَهُ عَنْها فَأجابَهم قَبْلَ السُّؤالِ. وتِلْكَ أسْئِلَةٌ تَقَدَّمَتْ، سَألُوا عَنْها النَّبِيَّ ﷺ فَجاءَ الجَوابُ عَقِبَ السُّؤالِ. فَلِذَلِكَ كانَ بِغَيْرِ فاءٍ. وهَذا سُؤالٌ لَمْ يَسْألُوهُ عَنْهُ بَعْدُ فَتَفَهَّمْهُ انْتَهى مِنهُ. وما ذَكَرَهُ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق