الباحث القرآني

(p-٤٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ لَمْ يُبَيِّنْ هُنا ما هَذِهِ البَيِّناتُ ولَكِنَّهُ بَيَّنَها في مَواضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَرَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ أنِّي قَدْ جِئْتُكم بِآيَةٍ مِن رَبِّكم أنِّي أخْلُقُ لَكم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وأُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكم بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ هو جِبْرِيلُ عَلى الأصَحِّ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣]، وقَوْلِهِ: ﴿فَأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا﴾ الآيَةَ [مريم: ١٧] . ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَكُلَّما جاءَكم رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهم قَتَلُوا بَعْضَ الرُّسُلِ، ونَظِيرُها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ قَدْ جاءَكم رُسُلٌ مِن قَبْلِي بِالبَيِّناتِ وبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ١٨٣] . وَقَوْلُهُ: ﴿كُلَّما جاءَهم رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُهم فَرِيقًا كَذَّبُوا وفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة: ٧٠] . وَقَدْ جاءَ في آياتٍ أُخَرَ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ الرُّسُلَ غالِبُونَ مَنصُورُونَ كَقَوْلِهِ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١]، وكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ ﴿وَإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٣]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهم لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٣ - ١٤]، وبَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذا النَّصْرَ في دارِ الدُّنْيا أيْضًا كَما في هَذِهِ الآيَةِ الأخِيرَةِ، وكَما في (p-٢١٣)قَوْلِهِ: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ [غافر: ٥١] . والَّذِي يَظْهَرُ في الجَوابِ مِن هَذا أنَّ الرُّسُلَ قِسْمانِ: قِسْمٌ أُمِرُوا بِالقِتالِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وقِسْمٌ أُمِرُوا بِالصَّبْرِ والكَفِّ عَنِ النّاسِ، فالَّذِينَ أُمِرُوا بِالقِتالِ وعَدَهُمُ اللَّهُ بِالنَّصْرِ والغَلَبَةِ في الآياتِ المَذْكُورَةِ، والَّذِينَ أُمِرُوا بِالكَفِّ والصَّبْرِ هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا لِيَزِيدَ اللَّهُ رَفْعَ دَرَجاتِهِمُ العَلِيَّةَ بِقَتْلِهِمْ مَظْلُومِينَ، وهَذا الجَمْعُ مَفْهُومٌ مِنَ الآياتِ لِأنَّ النَّصْرَ والغَلَبَةَ فِيهِ الدَّلالَةُ بِالِالتِزامِ عَلى جِهادٍ ومُقاتَلَةٍ، ولا يَرِدُ عَلى هَذا الجَمْعِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَأيِّنْ مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ١٤٦] . وَأمّا عَلى قِراءَةِ ”قاتَلَ“ بِصِيغَةِ الماضِي مِن فاعَلَ فالأمْرُ واضِحٌ، وأمّا عَلى قِراءَةِ ”قُتِلَ“ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ فَنائِبُ الفاعِلِ قَوْلُهُ: ”رِبِّيُّونَ“ لا ضَمِيرُ ”نَبِيٍّ“ وتَطَرُّقُ الِاحْتِمالِ يَرُدُّ الِاسْتِدْلالَ، وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ غَلَبَةَ الرُّسُلِ ونُصْرَتَهم بِالحُجَّةِ والبُرْهانِ، فَلا إشْكالَ في الآيَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب