الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ ورَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾، لَمْ يُبَيِّنْ هُنا هَذا الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنهم وقَدْ بَيَّنَ أنَّ مِنهم مُوسى عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، وقَوْلُهُ: ﴿إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النّاسِ بِرِسالاتِي وبِكَلامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤] . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾، يَعْنِي مُوسى ومُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِما وسَلَّمَ، وكَذَلِكَ آدَمُ كَما ورَدَ في الحَدِيثِ المَرْوِيِّ في ”صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ“ عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: تَكْلِيمُ آدَمَ الوارِدُ في ”صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ“ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقُلْنا ياآدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥]، وأمْثالُها مِنَ الآياتِ فَإنَّهُ ظاهِرٌ في أنَّهُ بِغَيْرِ واسِطَةِ المَلَكِ، ويَظْهَرُ مِن هَذِهِ الآيَةِ نَهْيُ حَوّاءَ عَنِ الشَّجَرَةِ عَلى لِسانِهِ، فَهو رَسُولٌ إلَيْها بِذَلِكَ. قالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾، ما نَصُّهُ: «وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ آدَمَ أنَبِيٌّ مُرْسَلٌ هو ؟ فَقالَ: ”نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ»“، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَدْ تَأوَّلَ بَعْضُ النّاسِ أنَّ تَكْلِيمَ آدَمَ كانَ في الجَنَّةِ، فَعَلى هَذا تَبْقى خاصِّيَّةُ مُوسى اهـ. وَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكم مِنِّي هُدًى﴾ [البقرة: ٣٨]، في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“ ما نَصُّهُ: لِأنَّ آدَمَ كانَ هو النَّبِيَّ ﷺ أيّامَ حَياتِهِ، بَعْدَ أنْ أُهْبِطَ إلى (p-١٥٥)الأرْضِ، والرَّسُولُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ إلى ولَدِهِ، فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا وهو، الرَّسُولُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكم مِنِّي هُدًى﴾، أيْ: رُسُلٌ اهـ مَحَلُّ الحُجَّةِ مِنهُ بِلَفْظِهِ وفِيهِ وفي كَلامِ ابْنِ كَثِيرٍ المُتَقَدِّمِ عَنْ ”صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ“ التَّصْرِيحُ بِأنَّ آدَمَ رَسُولٌ وهو مُشْكِلٌ مَعَ ما ثَبَتَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِن أنَّ نُوحًا عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلُ الرُّسُلِ ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣]، والظّاهِرُ أنَّهُ لا طَرِيقَ لِلْجَمْعِ إلّا مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ آدَمَ أُرْسِلَ لِزَوْجِهِ وذُرِّيَّتِهِ في الجَنَّةِ، ونُوحٌ أوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ في الأرْضِ، ويَدُلُّ لِهَذا الجَمْعِ ما ثَبَتَ في ”الصَّحِيحَيْنِ“ وغَيْرِهِما، ويَقُولُ: «وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا فَإنَّهُ أوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أهْلِ الأرْضِ»، الحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ: ”إلى أهْلِ“ الأرْضِ، لَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ الِاحْتِرازُ عَنْ رَسُولٍ بُعِثَ لِغَيْرِ أهْلِ الأرْضِ، لَكانَ ذَلِكَ الكَلامُ حَشْوًا، بَلْ يُفْهَمُ مِن مَفْهُومِ مُخالَفَتِهِ ما ذَكَرْنا. ويَتَأنَّسُ لَهُ بِكَلامِ ابْنِ عَطِيَّةَ الَّذِي قَدَّمْنا نَقْلَ القُرْطُبِيِّ لَهُ. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ آدَمَ أُرْسِلَ إلى ذُرِّيَّتِهِ وهم عَلى الفِطْرَةِ لَمْ يَصْدُرْ مِنهم كُفْرٌ فَأطاعُوهُ، ونُوحٌ هو أوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ لِقَوْمٍ كافِرِينَ يَنْهاهم عَنِ الإشْراكِ بِاللَّهِ تَعالى، ويَأْمُرُهم بِإخْلاصِ العِبادَةِ لَهُ وحْدَهُ، ويَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ النّاسُ إلّا أُمَّةً واحِدَةً﴾ الآيَةَ [يونس: ١٩] . أيْ: عَلى الدِّينِ الحَنِيفِ، أيْ حَتّى كَفَرَ قَوْمُ نُوحٍ، وقَوْلُهُ: ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢١٣] . واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾، أشارَ في مَواضِعَ أُخَرَ إلى أنَّ مِنهم مُحَمَّدًا ﷺ • كَقَوْلِهِ: ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩]، أوْ قَوْلِهِ: ﴿وَما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٢٨]، • وقَوْلِهِ: ﴿إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكم جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، • وقَوْلِهِ: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [ ٢٥ ]، وأشارَ في مَواضِعَ أُخَرَ إلى أنَّ مِنهم إبْراهِيمَ • كَقَوْلِهِ: ﴿واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ [البقرة: ١٢٤]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَأشارَ في مَوْضِعٍ آخَرَ إلى أنَّ مِنهم داوُدَ وهو قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ [ ١٧ ]، وأشارَ في مَوْضِعٍ آخَرَ إلى أنَّ مِنهم إدْرِيسَ (p-١٥٦)وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]، وأشارَ هُنا إلى أنَّ مِنهم عِيسى بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ [البقرة: ٨٧] . * * * * تَنْبِيهٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ الآيَةَ، إشْكالٌ قَوِيٌّ مَعْرُوفٌ. ووَجْهُهُ: أنَّهُ ثَبَتَ في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ أنَّهُ ﷺ قالَ: «لا تُخَيِّرُونِي عَلى مُوسى؛ فَإنَّ النّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فَأكُونُ أوَّلَ مَن يَفِيقُ، فَإذا مُوسى باطِشٌ بِجانِبِ العَرْشِ، فَلا أدْرِي أفاقَ قَبْلِي أمْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثْنى اللَّهُ»، وثَبَتَ أيْضًا في حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأنْبِياءِ؛ فَإنَّ النّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ» الحَدِيثَ، وفي رِوايَةٍ: «لا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أنْبِياءِ اللَّهِ»، وفي رِوايَةٍ: «لا تُخَيِّرُونِي مِن بَيْنِ الأنْبِياءِ» . وَقالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ما نَصُّهُ: وهَذِهِ الآيَةُ مُشْكِلَةٌ، والأحادِيثُ ثابِتَةٌ بِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأنْبِياءِ ولا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أنْبِياءِ اللَّهِ»، رَواها الأئِمَّةُ الثِّقاتُ، أيْ: لا تَقُولُوا فُلانٌ خَيْرٌ مِن فُلانٍ، ولا فُلانٌ أفْضَلُ مِن فُلانٍ، اهـ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في الجَوابِ عَنْ هَذا الإشْكالِ ما نَصُّهُ: والجَوابُ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّ هَذا كانَ قَبْلَ أنْ يُعْلَمَ بِالتَّفْضِيلِ، وفي هَذا نَظَرٌ. الثّانِي: أنَّ هَذا قالَهُ مِن بابِ الهَضْمِ والتَّواضُعِ. الثّالِثُ: أنَّ هَذا نَهْيٌ عَنِ التَّفْضِيلِ في مِثْلِ هَذا الحالِ الَّتِي تَحاكَمُوا فِيها عِنْدَ التَّخاصُمِ والتَّشاجُرِ. الرّابِعُ: لا تُفَضِّلُوا بِمُجَرَّدِ الآراءِ والعَصَبِيَّةِ. الخامِسُ: لَيْسَ مَقامُ التَّفْضِيلِ إلَيْكم، وإنَّما هو إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وعَلَيْكُمُ الِانْقِيادُ والتَّسْلِيمُ لَهُ والإيمانُ بِهِ، اهـ مِنهُ بِلَفْظِهِ. وَذَكَرَ القُرْطُبِيُّ في ”تَفْسِيرِهِ“ أجْوِبَةً كَثِيرَةً عَنْ هَذا الإشْكالِ، واخْتارَ أنَّ مَنعَ التَّفْضِيلِ في خُصُوصِ النُّبُوَّةِ، وجَوازَهُ في غَيْرِها مِن زِيادَةِ الأحْوالِ، والخُصُوصِ، والكَراماتِ فَقَدْ قالَ ما نَصُّهُ: قُلْتُ: وأحْسَنُ مِن هَذا قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ المَنعَ مِنَ التَّفْضِيلِ إنَّما هو مِن جِهَةِ النُّبُوَّةِ هو الَّتِي هي خَصْلَةٌ واحِدَةٌ لا تَفاضُلَ فِيها، وإنَّما التَّفْضِيلُ (p-١٥٧)فِي زِيادَةِ الأحْوالِ والخُصُوصِ، والكَراماتِ، والألْطافِ، والمُعْجِزاتِ المُتَبايِناتِ. وَأمّا النُّبُوَّةُ في نَفْسِها فَلا تَتَفاضَلُ، وإنَّما تَتَفاضَلُ بِأُمُورٍ أُخَرَ زائِدَةٍ عَلَيْها، ولِذَلِكَ مِنهم رُسُلٌ وأُولُو عَزْمٍ، ومِنهم مَنِ اتُّخِذَ خَلِيلًا، ومِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ ورَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ. قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ [ ١٧ ]، قُلْتُ: وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ، فَإنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الآيِ والأحادِيثِ مِن غَيْرِ نَسْخٍ، والقَوْلُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، إنَّما هو بِما مَنَحَ مِنَ الفَضائِلِ وأعْطى مِنَ الوَسائِلِ، وقَدْ أشارَ ابْنُ عَبّاسٍ إلى هَذا فَقالَ: إنِ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا ﷺ عَلى الأنْبِياءِ وعَلى أهْلِ السَّماءِ، فَقالُوا: بِمَ يا ابْنَ عَبّاسٍ فَضَّلَهُ عَلى أهْلِ السَّماءِ ؟ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنهم إنِّي إلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩]، وقالَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [ ٤٨ ]، قالُوا: فَما فَضْلُهُ عَلى الأنْبِياءِ ؟ قالَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤]، وقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَما أرْسَلْناكَ إلّا كافَّةً لِلنّاسِ﴾ [سبإ: ٢٨]، فَأرْسَلَهُ إلى الجِنِّ والإنْسِ، ذَكَرَهُ أبُو مُحَمَّدٍ الدّارِمِيُّ في ”مُسْنَدِهِ“، وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: خَيْرُ بَنِي آدَمَ نُوحٌ وإبْراهِيمُ ومُوسى ومُحَمَّدٌ ﷺ وهم أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وهَذا نَصٌّ مِنَ ابْنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ في التَّعْيِينِ، ومَعْلُومٌ أنَّ مَن أُرْسِلَ أفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُرْسَلْ؛ فَإنَّ مَن أُرْسِلَ فَضُلَ عَلى غَيْرِهِ بِالرِّسالَةِ، واسْتَوُوا في النُّبُوَّةِ إلى ما يَلْقاهُ الرُّسُلُ مِن تَكْذِيبِ أُمَمِهِمْ وقَتْلِهِمْ إيّاهم، وهَذا مِمّا لا خَفاءَ بِهِ. اهـ مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ بِلَفْظِهِ. واخْتارَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَما نَقَلَهُ عَنْهُ القُرْطُبِيُّ أنَّ وجْهَ الجَمْعِ جَوازُ التَّفْضِيلِ إجْمالًا كَقَوْلِهِ ﷺ: «أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ ولا فَخْرَ»، ولَمْ يُعَيِّنْ ومَنَعَ التَّفْضِيلَ عَلى طَرِيقِ الخُصُوصِ كَقَوْلِهِ: «لا تُفَضِّلُونِي عَلى مُوسى»، وقَوْلِهِ: «لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ أنا خَيْرٌ مِن يُونُسَ بْنِ مَتّى»، ونَحْوِ ذَلِكَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أنْفَقُوا مَنًّا ولا أذًى﴾ لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ يُفْهَمُ مِن هَذِهِ الآيَةِ أنَّ مَن أتْبَعَ إنْفاقَهُ المَنَّ والأذى لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذا الثَّوابَ المَذْكُورَ هُنا في قَوْلِهِ: ﴿مَنًّا ولا أذًى لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٢] . وقَدْ صَرَّحَ تَعالى بِهَذا المَفْهُومِ في (p-١٥٨)قَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢٦٤] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب