الباحث القرآني

* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ الآيَةَ. هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى طَلَبِ الِانْتِقامِ، وقَدْ أذِنَ اللَّهُ في الِانْتِقامِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ﴾ الآيَةَ [الشورى: ٤١] . وَكَقَوْلِهِ: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] . وَكَقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ ومَن عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ الآيَةَ [الحج: ٦٠] . وَقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ إذا أصابَهُمُ البَغْيُ هم يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] . وَقَوْلِهِ: ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] . (p-٢٢٤)وَقَدْ جاءَتْ آياتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلى العَفْوِ وتَرْكِ الِانْتِقامِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾ [الحجر: ٨٥] . وَقَوْلِهِ: ﴿والكاظِمِينَ الغَيْظَ والعافِينَ عَنِ النّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤] . وَكَقَوْلِهِ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤] . وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣] . وَقَوْلِهِ: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] . وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] . والجَوابُ عَنْ هَذا بِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ اللَّهَ بَيَّنَ مَشْرُوعِيَّةَ الِانْتِقامِ، ثُمَّ أرْشَدَ إلى أفْضَلِيَّةِ العَفْوِ، ويَدُلُّ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقَوْلُهُ: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨]، فَأذِنَ في الِانْتِقامِ بِقَوْلِهِ: ”إلّا مَن ظُلِمَ“ . ثُمَّ أرْشَدَ إلى العَفْوِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ تُبْدُوا خَيْرًا أوْ تُخْفُوهُ أوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩] . الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الِانْتِقامَ لَهُ مَوْضِعٌ يَحْسُنُ فِيهِ، والعَفْوُ لَهُ مَوْضِعٌ كَذَلِكَ، وإيضاحُهُ أنَّ مِنَ المَظالِمِ ما يَكُونُ في الصَّبْرِ عَلَيْهِ انْتِهاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ، ألا تَرى أنَّ مَن غُصِبَتْ مِنهُ جارِيَتُهُ مَثَلًا إذا كانَ الغاصِبُ يَزْنِي بِها فَسُكُوتُهُ وعَفْوُهُ عَنْ هَذِهِ المَظْلَمَةِ قَبِيحٌ وضَعْفٌ وخَوْرٌ تُنْتَهَكُ بِهِ حُرُماتُ اللَّهِ، فالِانْتِقامُ في مِثْلِ هَذا واجِبٌ، وعَلَيْهِ يُحْمَلُ الأمْرُ في قَوْلِهِ: فاعْتَدُوا الآيَةَ. أيْ كَما إذا بَدَأ الكُفّارُ بِالقِتالِ فَقِتالُهم واجِبٌ، بِخِلافِ مَن أساءَ إلَيْهِ بَعْضُ إخْوانِهِ المُسْلِمِينَ بِكَلامٍ قَبِيحٍ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَعَفْوُهُ أحْسَنُ وأفْضَلُ، وقَدْ قالَ أبُو الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي: ؎إذا قِيلَ حِلْمٌ فَلِلْحِلْمِ مَوْضِعٌ وحِلْمُ الفَتى في غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب