الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ وسَعى في خَرابِها﴾ . الآيَةَ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: نَزَلَتْ في صَدِّ المُشْرِكِينَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ البَيْتِ الحَرامِ في عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ عامَ سِتٍّ. وَعَلى هَذا القَوْلِ: فالخَرابُ مَعْنَوِيٌّ، وهو خَرابُ المَساجِدِ بِمَنعِ العِبادَةِ فِيها. وهَذا القَوْلُ يُبَيِّنُهُ ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ الآيَةَ [الفتح: ٢٥] . وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الخَرابُ المَذْكُورُ هو الخَرابُ الحِسِّيُّ. والآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَن خَرَّبَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وهو بُخْتَنَصَّرُ أوْ غَيْرُهُ وهَذا القَوْلُ يُبَيِّنُهُ ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكم ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: ٧] . ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ الآيَةَ. الِاسْتِفْهامُ في هَذِهِ الآيَةِ إنْكارِيٌّ ومَعْناهُ النَّفْيُ، فالمَعْنى: لا أحَدَ أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، وقَدْ جاءَتْ آياتٌ أُخَرُ يُفْهَمُ مِنها خِلافُ هَذا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٤٤] . وَقَوْلِهِ: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلى اللَّهِ﴾ [ ٣٩ ]، وقَوْلِهِ: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ﴾ . . . . . . الآيَةَ [الكهف: ٥٧]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الآياتِ أوْجُهٌ: مِنها تَخْصِيصُ كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَعْنى صِلَتِهِ، أيْ لا أحَدَ مِنَ المانِعِينَ أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، ولا أحَدَ مِنَ المُفْتَرِينَ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا، وإذا تَخَصَّصَتْ بِصِلاتِها زالَ الإشْكالُ. وَمِنها أنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ إلى السَّبْقِ، أيْ لَمّا لَمْ يَسْبِقْهم أحَدٌ إلى مِثْلِهِ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم أظْلَمُ مِمَّنْ جاءَ بُعْدَهم سالِكًا طَرِيقَهم، وهَذا يَؤُولُ مَعْناهُ إلى ما قَبْلَهُ، لِأنَّ المُرادَ السَّبْقُ إلى المانِعِيَّةِ والِافْتِرائِيَّةِ مَثَلًا. (p-٢١٤)وَمِنها، وادَّعى أبُو حَيّانَ أنَّهُ الصَّوابُ، هو ما حاصِلُهُ أنَّ نَفْيَ التَّفْضِيلِ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُ المُساواةِ، فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِمَّنْ وُصِفَ بِذَلِكَ يَزِيدُ عَلى الآخَرِ، لِأنَّهم يَتَساوَوْنَ في الأظْلَمِيَّةِ، فَيَصِيرُ المَعْنى: لا أحَدَ أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، ومَنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا، ومَن كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ، ولا إشْكالَ في تَساوِي هَؤُلاءِ في الأظْلَمِيَّةِ، ولا يَدُلُّ عَلى أنَّ أحَدَهم أظْلَمُ مِنَ الآخَرِ، كَما إذا قُلْتَ: لا أحَدَ أفْقَهُ مِن فُلانٍ وفُلانٍ مَثَلًا. ذَكَرَ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ صاحِبُ الإتْقانِ. وَما ذَكَرَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ مِن أنَّ الِاسْتِفْهامَ في قَوْلِهِ: " ﴿وَمَن أظْلَمُ﴾ المَقْصُودُ مِنهُ التَّهْوِيلُ والتَّفْظِيعُ مِن غَيْرِ قَصْدِ إثْباتِ الأظْلَمِيَّةِ لِلْمَذْكُورِ حَقِيقَةً ولا نَفْيِها عَنْ غَيْرِهِ، كَما ذَكَرَهُ عَنْهُ صاحِبُ الإتْقانِ، يَظْهَرُ ضَعْفُهُ لِأنَّهُ خِلافُ ظاهِرِ القُرْءانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب