الباحث القرآني
(p-٤٤٢)] قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ وإسْرائِيلَ ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾، الإشارَةُ في قَوْلِهِ: أُولَئِكَ، راجِعَةٌ إلى الأنْبِياءِ المَذْكُورِينَ في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ، وقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ هُنا أنَّهُ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ واجْتَباهم وهَداهم، وزادَ عَلى هَذا في سُورَةِ ”النِّساءِ“ بَيانَ جَمِيعِ مَن أنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ الأنْبِياءِ في قَوْلِهِ: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]، وبَيَّنَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ: أنَّ صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ صِراطِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ في قَوْلِهِ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ﴿صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٦ - ٧]، وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: قالَ السُّدِّيُّ وابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُما اللَّهُ: فالَّذِي عَنى بِهِ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ: ”إدْرِيسُ“، والَّذِي عَنى بِهِ مِن ذُرِّيَّةِ مَن حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ: ”إبْراهِيمُ“، والَّذِي عَنى بِهِ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ: ”إسْحاقُ ويَعْقُوبُ وإسْماعِيلُ“، والَّذِي عَنى بِهِ مِن ذُرِّيَّةِ إسْرائِيلَ: ”مُوسى وهارُونُ وزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى ابْنُ مَرْيَمَ“، قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ولِذَلِكَ فَرَّقَ أنْسابَهم وإنْ كانَ يَجْمَعُ جَمِيعَهم آدَمُ؛ لِأنَّ فِيهِمْ مَن لَيْسَ مِن ولَدِ مَن كانَ مَعَ نُوحٍ في السَّفِينَةِ وهو إدْرِيسُ فَإنَّهُ جَدُّ نُوحٍ.
قُلْتُ: هَذا هو الأظْهَرُ أنَّ إدْرِيسَ في عَمُودِ نَسَبِ نُوحٍ عَلَيْهِما وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِن أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ أخْذًا مِن حَدِيثِ الإسْراءِ حَيْثُ قالَ في سَلامِهِ عَلى النَّبِيِّ ﷺ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصّالِحِ، والأخِ الصّالِحِ، ولَمْ يَقُلْ: والوَلَدِ الصّالِحِ، كَما قالَ آدَمُ وإبْراهِيمُ عَلَيْهِما وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ. انْتَهى الغَرَضُ مِن كَلامِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى.
وَقالَ ابْنُ كَثِيرٍ أيْضًا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: يَقُولُ تَعالى: هَؤُلاءِ النَّبِيُّونَ، ولَيْسَ المُرادُ المَذْكُورِينَ في هَذِهِ السُّورَةِ فَقَطْ، بَلْ جِنْسَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، اسْتَطْرَدَ مِن ذِكْرِ الأشْخاصِ إلى الجِنْسِ، إلى أنْ قالَ في آخِرِ كَلامِهِ: ومِمّا يُؤَيِّدُ أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ جِنْسُ الأنْبِياءِ أنَّها كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”الأنْعامِ“: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا ونُوحًا هَدَيْنا مِن قَبْلُ ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٨٣ - ٩٠]، اهـ، (p-٤٤٣)وَقَدْ قالَ تَعالى في صِفَةِ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ في ”الأنْعامِ“: ﴿واجْتَبَيْناهم وهَدَيْناهم إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٨٧]، كَما قالَ في صِفَةِ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ في سُورَةِ ”مَرْيَمَ“: ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا﴾ [مريم: ٥٨] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾، بَيَّنَ فِيهِ أنَّ هَؤُلاءِ الأنْبِياءَ المَذْكُورِينَ إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ رَبِّهِمْ بَكَوْا وسَجَدُوا، وأشارَ إلى هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلى المُؤْمِنِينَ لا خُصُوصِ الأنْبِياءِ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأذْقانِ سُجَّدًا﴾ ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إنْ كانَ وعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾ ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأذْقانِ يَبْكُونَ ويَزِيدُهم خُشُوعًا﴾ [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرى أعْيُنَهم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا﴾ [الأنفال: ٢]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣]،
فَكُلُّ هَذِهِ الآياتِ فِيها الدَّلالَةُ عَلى أنَّهم إذا سَمِعُوا آياتِ رَبِّهِمْ تُتْلى تَأثَّرُوا تَأثُّرًا عَظِيمًا، يَحْصُلُ مِنهُ لِبَعْضِهِمُ البُكاءُ والسُّجُودُ، ولِبَعْضِهِمْ قُشَعْرِيرَةُ الجِلْدِ ولِينُ القُلُوبِ والجُلُودِ، ونَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: وبُكِيًّا، جَمْعُ باكٍ، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ مِن سُورَةِ ”مَرْيَمَ“ فَسَجَدَ وقالَ: هَذا السُّجُودُ، فَأيْنَ البُكِيُّ ؟ يُرِيدُ البُكاءَ، وهَذا المَوْضِعُ مِن عَزائِمَ السُّجُودِ بِلا خِلافٍ بَيْنِ العُلَماءِ في ذَلِكَ.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحࣲ وَمِن ذُرِّیَّةِ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَمِمَّنۡ هَدَیۡنَا وَٱجۡتَبَیۡنَاۤۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَبُكِیࣰّا ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











