الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهم في غَفْلَةٍ وهم لا يُؤْمِنُونَ﴾، الحَسْرَةُ: أشَدُّ النَّدَمِ والتَّلَفِ عَلى الشَّيْءِ الَّذِي فاتَ ولا يُمْكِنُ تَدارَكُهُ، والإنْذارُ: الإعْلامُ المُقْتَرِنُ بِتَهْدِيدٍ، أيْ: أنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ، وقِيلَ لَهُ: يَوْمُ الحَسْرَةِ؛ لِشِدَّةِ نَدَمِ الكُفّارِ فِيهِ عَلى التَّفْرِيطِ، وقَدْ يَنْدَمُ فِيهِ المُؤْمِنُونَ عَلى ما كانَ مِنهم مِنَ التَّقْصِيرِ، وقَدْ أشارَ تَعالى إلى هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الآزِفَةِ إذِ القُلُوبُ لَدى الحَناجِرِ كاظِمِينَ﴾ الآيَةَ [غافر: ١٨]، وقَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبإ: ٤٦] . وَأشارَ إلى ما يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الحَسْرَةِ في مَواضِعَ أُخَرَ، • كَقَوْلِهِ: ﴿أنْ تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٥٦]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتّى إذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا ياحَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٣١]، • وقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أعْمالَهم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٧]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَهم في غَفْلَةٍ﴾، أيْ: في غَفْلَةِ الدُّنْيا مُعْرِضُونَ عَنِ الآخِرَةِ، وجُمْلَةُ ”وَهم في غَفْلَةٍ“ حالِيَّةٌ، والعامِلُ فِيها ”أنْذِرْهم“ أيْ: أنْذِرْهم في حالِ غَفْلَتِهِمْ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ، خِلافًا لِمَن قالَ: إنَّ العامِلَ في الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ قَوْلُهُ قَبْلَ هَذا ”في ضَلالٍ مُبِينٍ“، وقَدْ جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ هُنا ”إذْ قُضِيَ الأمْرُ“ أيْ: ذُبِحَ المَوْتُ. قالَ البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في صَحِيحِهِ: ) بابُ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الحَسْرَةِ﴾، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، حَدَّثَنا أبُو صالِحٍ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”يُؤْتى بِالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ فَيُنادِي مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذا ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذا المَوْتُ، وكُلُّهم قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادى: يا أهْلَ النّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ (p-٤٢٣)تَعْرِفُونَ هَذا ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذا المَوْتُ، وكُلُّهم قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ ويا أهْلَ النّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ“، ثُمَّ قَرَأ ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهم في غَفْلَةٍ﴾» [مريم: ٣٩]، وهَؤُلاءِ في غَفْلَةِ الدُّنْيا وهم لا يُؤْمِنُونَ " انْتَهى مِن صَحِيحِ البُخارِيِّ. والحَدِيثُ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وقِراءَةُ النَّبِيِّ ﷺ الآيَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَبْحَ المَوْتِ تَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ ﴿إذْ قُضِيَ الأمْرُ﴾ أيْ: ذُبِحَ المَوْتُ، وفي مَعْناهُ أقْوالٌ أُخَرَ غَيْرُ هَذا تَرَكْناها لِدَلالَةِ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَلى المَعْنى الَّذِي ذَكَرْنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب