الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أسْمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لَكِنِ الظّالِمُونَ اليَوْمَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، قَوْلُهُ: ﴿أسْمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ﴾ صِيغَتا تَعَجُّبٍ، ومَعْنى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الكُفّارَ يَوْمَ القِيامَةِ يَسْمَعُونَ ويُبْصِرُونَ الحَقائِقَ الَّتِي أخْبَرَتْهم بِها الرُّسُلُ سَمْعًا وإبْصارًا عَجِيبَيْنِ، وأنَّهم في دارِ الدُّنْيا في ضَلالٍ وغَفْلَةٍ لا يَسْمَعُونَ الحَقَّ ولا يُبْصِرُونَهُ، وهَذا الَّذِي بَيَّنَهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بَيَّنَهُ في مَواضِعَ أُخَرَ، • كَقَوْلِهِ في سَمْعِهِمْ وإبْصارِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿وَلَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِن هَذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ٢٢]، • وكَقَوْلِهِ في غَفْلَتِهِمْ في الدُّنْيا وعَدَمِ إبْصارِهِمْ وسَمْعِهِمْ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهم وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، • وقَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا وهم عَنِ الآخِرَةِ هم غافِلُونَ﴾ [الروم: ٧]، • وقَوْلِهِ: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهم لا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٨]، • وقَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمى والأصَمِّ والبَصِيرِ والسَّمِيعِ﴾ الآيَةَ [هود: ٢٤]، والمُرادُ بِالأعْمى والأصَمِّ: الكُفّارُ، والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ، واعْلَمْ أنَّ صِيغَةَ التَّعَجُّبِ إذا كانَتْ عَلى وزْنِ ”أفْعِلْ بِهِ“ فَهي فِعْلٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وأكْثَرُهم يَقُولُونَ إنَّهُ فِعْلٌ ماضٍ جاءَ عَلى صُورَةِ الأمْرِ، وبَعْضُهم يَقُولُ: إنَّهُ فِعْلُ أمْرٍ لِإنْشاءِ التَّعَجُّبِ، وهو الظّاهِرُ مِنَ الصِّيغَةِ، ويُؤَيِّدُهُ دُخُولُ نُونِ التَّوْكِيدِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎وَمُسْتَبْدِلٍ مِن بَعْدِ غَضْيا صُرَيْمَةً فَأحْرِ بِهِ لِطُولِ فَقْرٍ وأحْرِيا لِأنَّ الألِفَ في قَوْلِهِ: ”وَأحْرِيا“ مُبْدَلَةٌ مِن نُونِ التَّوْكِيدِ الخَفِيفَةِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ: ؎وَأبْدِلْنَها بَعْدَ فَتْحٍ ألِفًا ∗∗∗ وقْفا كَما تَقُولُ في قِفَنْ قِفا (p-٤٢٢)والجُمْهُورُ أيْضًا عَلى أنَّ صِيغَةَ التَّعَجُّبِ الأُخْرى الَّتِي هي: ”ما أفْعَلَهُ“ فِعْلٌ ماضٍ، خِلافًا لِجَماعَةٍ مِنَ الكُوفِيِّينَ في قَوْلِهِمْ: إنَّها اسْمٌ بِدَلِيلِ تَصْغِيرِها في قَوْلِ العَرَجِيِّ: ؎يا ما أُمَيْلِحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنا ∗∗∗ مِن هَؤُلَيّاءِ بَيْنَ الضّالِ والسَّمُرِ قالُوا: والتَّصْغِيرُ لا يَكُونُ إلّا في الأسْماءِ، وأجابَ مَن خالَفَهم بِأنَّ تَصْغِيرَها في البَيْتِ المَذْكُورِ شاذٌّ يُحْفَظُ ولا يُقاسُ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب