الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿قالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا أيْنَ ما كُنْتُ وأوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا﴾ ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارًا شَقِيًّا﴾ ﴿والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ .
(p-٤١٦)ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ أوَّلَ كَلِمَةٍ نَطَقَ لَهم بِها عِيسى وهو صَبِيٌّ في مَهْدِهِ أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، وفي ذَلِكَ أعْظَمُ زَجْرٍ لِلنَّصارى عَنْ دَعْواهم أنَّهُ اللَّهُ أوِ ابْنُهُ أوْ إلَهٌ مَعَهُ وهَذِهِ الكَلِمَةُ الَّتِي نَطَقَ بِها عِيسى في أوَّلِ خِطابِهِ لَهم ذَكَرَها اللَّهُ جَلَّ وعَلا عَنْهُ في مَواضِعَ أُخَرَ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالَ المَسِيحُ يابَنِي إسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ٧٢]،
• وقَوْلِهِ في ”آلِ عِمْرانَ“: ﴿إنَّ اللَّهَ رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران: ٥١]،
• وقَوْلِهِ في ”الزُّخْرُفِ“ ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ هو رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦٢ - ٦٤]،
• وقَوْلِهِ هُنا في سُورَةِ ”مَرْيَمَ“: ﴿وَإنَّ اللَّهَ رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [مريم: ٣٩]،
وقَوْلِهِ: ﴿ما قُلْتُ لَهم إلّا ما أمَرْتَنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿آتانِيَ الكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾، التَّحْقِيقُ فِيهِ إنْ شاءَ اللَّهُ: أنَّهُ عَبَّرَ بِالماضِي عَمّا سَيَقَعُ في المُسْتَقْبَلِ تَنْزِيلًا لِتَحَقُّقِ الوُقُوعِ مَنزِلَةَ الوُقُوعِ، ونَظائِرُهُ في القُرْآنِ كَثِيرَةٌ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ ﴿وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الكِتابُ وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَداءِ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الزمر: ٦٨ - ٧١]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ [الزمر: ٧٣] .
فَهَذِهِ الأفْعالُ الماضِيَةُ المَذْكُورَةُ في الآياتِ بِمَعْنى المُسْتَقْبَلِ، تَنْزِيلًا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مَنزِلَةَ الوُقُوعِ بِالفِعْلِ، ونَظائِرُها كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ، وهَذا الَّذِي ذَكَرْنا مِن أنَّ الأفْعالَ الماضِيَةَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آتانِيَ الكِتابَ﴾ . . . إلَخْ، بِمَعْنى المُسْتَقْبَلِ هو الصَّوابُ إنْ شاءَ اللَّهُ، خِلافًا لِمَن زَعَمَ أنَّهُ نُبِّئَ وأُوتِيَ الكِتابَ في حالِ صِباهُ لِظاهِرِ اللَّفْظِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا﴾، أيْ: كَثِيرَ البَرَكاتِ؛ لِأنَّهُ يَعْلَمُ الخَيْرَ ويَدْعُو إلى اللَّهِ، ويُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿مُبارَكًا أيْنَ ما كُنْتُ﴾ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَفّاعًا حَيْثُ كُنْتُ، وقالَ ابْنُ حَجَرٍ في ) الكافِي الشّافِي (: أخْرَجَهُ أبُو نُعَيْمٍ ) في الحِلْيَةِ (في تَرْجَمَةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ بِهَذا وأتَمَّ، وقالَ: تَفَرَّدَ بِهِ هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ، وعَنْهُ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الكُوفِيُّ، ورَواهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن هَذا الوَجْهِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي﴾ قالَ الحَوْفِيُّ وأبُو البَقاءِ: هو (p-٤١٧)مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا﴾، وقالَ أبُو حَيّانَ) في البَحْرِ (: وفِيهِ بُعْدٌ لِلْفَصْلِ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالجُمْلَةِ الَّتِي هي ”أوْصانِي“ ومُتَعَلِّقِها، والأوْلى أنَّهُ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أيْ: وجَعَلَنِي بَرًّا بِوالِدَتِي، ولَمّا قالَ بِوالِدَتِي ولَمْ يَقُلْ بِوالِدَيَّ عُلِمَ أنَّهُ أمْرٌ مِن قِبَلِ اللَّهِ، كَما ذَكَرَهُ القُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وقَدْ قَدَّمَنا مَعْنى ”الجَبّارِ والشَّقِيِّ“ وقالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ”شَقِيًّا“ أيْ: خائِبًا مِنَ الخَيْرِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عاقًّا، وقِيلَ عاصِيًا لِرَبِّهِ، وقِيلَ: لَمْ يَجْعَلْنِي تارِكًا لِأمْرِهِ فَأشْقى كَما شَقِيَ إبْلِيسُ. انْتَهى كَلامُ القُرْطُبِيِّ.
* * *
* تَنْبِيهٌ
احْتَجَّ مالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى القَدَرِيَّةِ، قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: قالَ مالِكُ بْنُ أنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ: ما أشَدَّها عَلى أهْلِ القَدَرِ ! أخْبَرَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِما قُضِيَ مِن أمْرِهِ وبِما هو كائِنٌ إلى أنْ يَمُوتَ. اهـ.
{"ayah":"قَالَ إِنِّی عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِیَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِی نَبِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق