الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ قَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ”حَمِئَةٍ“ بِلا ألِفٍ بَعْدِ الحاءِ، وبِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ المِيمِ المَكْسُورَةِ، وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةٍ والكِسائِيٍّ وشُعْبَةُ عَنْ عاصِمٍ ”حامِيَةٍ“ بِألِفٍ بَعْدِ الحاءِ، وياءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ المِيمِ المَكْسُورَةِ عَلى صِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى فَمَعْنى ”حَمِئَةٍ“: ذاتُ حَمْأةٍ وهي الطِّينُ الأسْوَدُ، ويَدُلُّ لِهَذا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦]، (p-٣٤١)والحَمَأُ: الطِّينُ كَما تَقَدَّمَ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ تُبَّعٍ الحِمْيَرِيِّ فِيما يُؤْثَرُ عَنْهُ يَمْدَحُ ذا القَرْنَيْنِ: ؎بَلَغَ المَشارِقَ والمَغارِبَ يَبْتَغِي أسْبابَ أمْرٍ مِن حَكِيمٍ مُرْشِدٍ ؎فَرَأى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِها ∗∗∗ في عَيْنِ ذِي خَلَبٍ وثَأْطٍ حَرْمَدِ والخَلَبُ - في لُغَةِ حِمْيَرَ -: الطِّينُ، والثَّأْطُ: الحَمْأةُ، والحَرْمَدُ: الأسْوَدُ، وعَلى قِراءَةِ ”حامِيَةٍ“ بِصِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ، فالمَعْنى: أنَّها حارَّةٌ، وذَلِكَ لِمُجاوَرَتِها وهَجَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِها، ومُلاقاتِها الشُّعاعَ بِلا حائِلٍ، ولا مُنافاةَ بَيْنَ القِراءَتَيْنِ وكِلْتاهُما حَقٌّ، قالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِهِ: ﴿وَجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦]، أيْ: رَأى الشَّمْسَ في مَنظَرِهِ تَغْرُبُ في البَحْرِ المُحِيطِ، وهَذا شَأْنُ كُلِّ مَنِ انْتَهى إلى ساحِلِهِ يَراها كَأنَّها تَغْرُبُ فِيهِ إلى آخِرِ كَلامِهِ، ومُقْتَضى كَلامِهِ أنَّ المُرادَ بِالعَيْنِ في الآيَةِ البَحْرُ المُحِيطُ، وهو ذُو طِينٍ أسْوَدَ، والعَيْنُ تُطْلَقُ في اللُّغَةِ عَلى يَنْبُوعِ الماءِ، واليَنْبُوعُ: الماءُ الكَثِيرُ، فاسْمُ العَيْنِ يَصْدُقُ عَلى البَحْرِ لُغَةً، وكَوْنُ مَن عَلى شاطِئِ المُحِيطِ الغَرْبِيِّ يَرى الشَّمْسَ في نَظَرِ عَيْنِهِ تَسْقُطُ في البَحْرِ أمْرٌ مَعْرُوفٌ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ فَلا إشْكالَ في الآيَةِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب