الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهم جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾، بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أجْرَ مَن أحْسَنَ عَمَلًا، فَذَكَرَ أنَّهُ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فِيها الأنْهارُ، ويُحَلَّوْنَ فِيها أساوِرَ الذَّهَبِ، ويَلْبَسُونَ فِيها الثِّيابَ الخُضْرَ مِنَ السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ، في حالِ كَوْنِهِمْ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ وهي السُّرُرُ في الحِجالِ، والحِجالُ: جَمْعُ حَجْلَةٍ وهو بَيْتٌ يُزَيَّنُ لِلْعَرُوسِ بِجَمِيعِ أنْواعِ الزِّينَةِ، ثُمَّ أثْنى عَلى ثَوابِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١]، وهَذا الَّذِي بَيَّنَهُ هُنا مِن صِفاتِ جَزاءِ المُحْسِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جاءَ مُبَيَّنًا في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى؛ كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”الإنْسانِ“: ﴿إنَّ الأبْرارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُورًا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَكانَ سَعْيُكم مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: ٥ - ٢٢]، وكَقَوْلِهِ في سُورَةِ ”الواقِعَةِ“، ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ في جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة: ١٠ - ١٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿لِأصْحابِ اليَمِينِ﴾ [ الآيَةَ ٣٨ ]، وأمْثالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ: وَقَدْ بَيَّنَ في سُورَةِ ”السَّجْدَةِ“ أنَّ ما أخَفاهُ اللَّهُ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ لا يَعْلَمُهُ إلّا هو جَلَّ وعَلا، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ الآيَةَ [السجدة: ١٧] . وَقَوْلُـهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ. ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ﴾ أيْ: إقامَةٌ لا رَحِيلَ بَعْدَها ولا تَحَوُّلَ. كَما قالَ تَعالى: ﴿لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا﴾ [الكهف: ١٠٨] أصْلُهُ مِن عَدَنَ بِالمَكانِ: إذا أقامَ بِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ ”النَّحْلِ“ مَعْنى السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ بِما أغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا، والأساوِرُ: جَمْعُ سِوارٍ، وقالَ بَعْضُهم: جَمْعُ أسْوِرَةٍ، والثَّوابُ: الجَزاءُ مُطْلَقًا عَلى (p-٢٧٣)التَّحْقِيقِ. ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لِكُلِّ أخِي مَدْحٌ ثَوابٌ عَلِمْتُهُ ولَيْسَ لِمَدْحِ الباهِلِيِّ ثَوابُ وَقَوْلُ مَن قالَ: إنَّ الثَّوابَ في اللُّغَةِ يَخْتَصُّ بِجَزاءِ الخَيْرِ بِالخَيْرِ غَيْرُ صَوابٍ، بَلْ يُطْلَقُ الثَّوابُ أيْضًا عَلى جَزاءِ الشَّرِّ بِالشَّرِّ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: ٣٦]، وقَوْلُـهُ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٦٠] . وَقَوْلُـهُ: ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾، الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ”حَسُنَتْ“ راجِعٌ إلى ”جَنّاتِ عَدْنٍ“ . والمُرْتَفَقُ قَدْ قَدَّمْنا أقْوالَ العُلَماءِ فِيهِ. وقَوْلُهُ هُنا في الجَنَّةِ ”وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا“ يُبَيِّنُ مَعْناهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلامًا خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ [الفرقان: ٧٥ - ٧٦] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب