الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إذْ قامُوا﴾ .
أيْ ثَبَّتْنا قُلُوبَهم وقَوَّيْناها عَلى الصَّبْرِ، حَتّى لا يَجْزَعُوا ولا يَخافُوا مِن أنْ يَصْدَعُوا بِالحَقِّ، ويَصْبِرُوا عَلى فِراقِ الأهْلِ والنَّعِيمِ، والفِرارِ بِالدِّينِ في غارٍ في جَبَلٍ لا أنِيسَ بِهِ، ولا ماءَ ولا طَعامَ.
وَيُفْهَمُ مِن هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ مَن كانَ في طاعَةِ رَبِّهِ جَلَّ وعَلا أنَّهُ تَعالى يُقَوِّي قَلْبَهُ، ويُثَبِّتُهُ عَلى تَحَمُّلِ الشَّدائِدِ، والصَّبْرِ الجَمِيلِ.
وَقَدْ أشارَ تَعالى إلى وقائِعَ مِن هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ في أهْلِ بَدْرٍ مُخاطِبًا نَبِيَّهُ ﷺ وأصْحابَهُ: ﴿إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أمَنَةً مِنهُ ويُنَزِّلُ عَلَيْكم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكم رِجْزَ الشَّيْطانِ ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكم ويُثَبِّتَ بِهِ الأقْدامَ﴾ ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ [الأنفال: ١١ - ١٢]، وكَقَوْلِهِ في أُمِّ مُوسى: ﴿وَأصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] .
وَأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: إذْ قامُوا أيْ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ بِلادِهِمْ، وهو مَلِكٌ جَبّارٌ يَدْعُو إلى عِبادَةِ الأوْثانِ، يَزْعُمُونَ أنَّ اسْمَهُ: دِقْيانُوسُ.
وَقِصَّتُهم مَذْكُورَةٌ في جَمِيعِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ، أعْرَضْنا عَنْها لِأنَّها إسْرائِيلِيّاتٌ. وفي قِيامِهِمُ المَذْكُورِ هُنا أقْوالٌ أُخَرُ كَثِيرَةٌ، والعامِلُ في قَوْلِهِ: ”إذْ“ هو ”رَبَطْنا“ عَلى قُلُوبِهِمْ حِينَ قامُوا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِن دُونِهِ إلَهًا لَقَدْ قُلْنا إذًا شَطَطًا﴾
(p-٢١٥)ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ: أنَّ هَؤُلاءِ الفِتْيَةَ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَزادَهم رَبُّهم هُدًى، قالُوا: إنَّ رَبَّهم هو رَبُّ السَّمَواتِ والأرْضِ، وأنَّهم لَنْ يَدْعُوا مِن دُونِهِ إلَهًا، وأنَّهم لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ قالُوا شَطَطًا، أيْ قَوْلًا ذا شَطَطٍ، أوْ هو مِنَ النَّعْتِ بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ؛ كَأنَّ قَوْلَهم هو نَفْسُ الشَّطَطِ، والشَّطَطُ: البُعْدُ عَنِ الحَقِّ والصَّوابِ. وإلَيْهِ تَرْجِعُ أقْوالُ المُفَسِّرِينَ؛ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ ”شَطَطًا“: جَوْرًا، تَعَدِّيًا، كَذِبًا، خَطَأً، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأقْوالِ.
وَأصْلُ مادَّةِ الشَّطَطِ: مُجاوَزَةُ الحَدِّ، ومِنهُ أشَطَّ في السَّوْمِ: إذا جاوَزَ الحَدَّ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ الآيَةَ [ص: ٢٢]، أوِ البُعْدُ، ومِنهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ:
؎تَشِطُّ غَدًا دارُ جِيرانِنا ولَلدّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ
وَيَكْثُرُ اسْتِعْمالُ الشَّطَطِ في الجَوْرِ والتَّعَدِّي، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎أتَنْتَهُونَ وإنْ يَنْهى ذَوِي الشَّطَطِ ∗∗∗ كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ
وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ دَلالَةً واضِحَةً عَلى أنَّ مَن أشْرَكَ مَعَ خالِقِ السَّمَواتِ والأرْضِ مَعْبُودًا آخَرَ، فَقَدْ جاءَ بِأمْرٍ شَطَطٍ بَعِيدٍ عَنِ الحَقِّ والصَّوابِ في غايَةِ الجَوْرِ والتَّعَدِّي؛ لِأنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ هو الَّذِي يُبْرِزُ الخَلائِقَ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ؛ لِأنَّ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلى خَلْقِ غَيْرِهِ مَخْلُوقٌ يَحْتاجُ إلى خالِقٍ يَخْلُقُهُ ويَرْزُقُهُ ويُدَبِّرُ شُئُونَهُ.
وَهَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ جاءَ مُبَيَّنًا في آياتٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا والسَّماءَ بِناءً وأنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهو الواحِدُ القَهّارُ﴾ [الرعد: ١٦]، أيِ الواحِدُ القَهّارُ الَّذِي هو خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ هو المُسْتَحِقُّ لِلْعِبادَةِ وحْدَهُ جَلَّ وعَلا،
• وقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا وهم يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يُخْلَقُونَ﴾ الآيَةَ [الفرقان: ٣]،
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لَقَدْ قُلْنا إذًا شَطَطًا﴾، أيْ إذا دَعَوْنا مِن (p-٢١٦)دُونِهِ إلَهًا، فَقَدْ قُلْنا شَطَطًا.
{"ayah":"وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُوا۟ فَقَالُوا۟ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَا۟ مِن دُونِهِۦۤ إِلَـٰهࣰاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَاۤ إِذࣰا شَطَطًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق