الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِن دُونِي أوْلِياءَ إنّا أعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا﴾ .
الهَمْزَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَحَسِبَ﴾ لِلْإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، وفي الآيَةِ حَذْفٌ دَلَّ المَقامُ عَلَيْهِ، قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: تَقْدِيرُ المَحْذُوفِ هو: أفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِن دُونِي أوْلِياءَ، ولا أُعاقِبُهُمُ العِقابَ الشَّدِيدَ ! كَلّا ! بَلْ سَأُعاقِبُهم عَلى ذَلِكَ العِقابَ الشَّدِيدَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَهُ: ﴿إنّا أعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا﴾ [الكهف: ١٠٢]، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: تَقْدِيرُهُ: أفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِن دُونِي أوْلِياءَ وأنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهم، كَلّا لا يَنْفَعُهم بَلْ يَضُرُّهم، ويَدُلُّ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى عَنْهم: ﴿ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [الزمر: ٣]، وقَوْلُـهُ عَنْهم: ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨]، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَيَّنَ بُطْلانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨]، وما أنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ هُنا مِن ظَنِّهِمْ أنَّهم يَتَّخِذُونَ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ مِن عِبادِهِ ولا يُعاقِبُهم، أوْ أنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهم جاءَ مُبَيَّنًا في مَواضِعَ، كَقَوْلِهِ في أوَّلِ سُورَةِ ”الأعْرافِ“: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكم ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ﴾ [الأعراف: ٣]، فَقَدْ نَهاهم عَنِ اتِّباعِ الأوْلِياءِ مِن دُونِهِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّهُ يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم، وأمْثالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى أنَّهُ لا ولِيَّ مِن دُونِ اللَّهِ لِأحَدٍ، وإنَّما المُوالاةُ في اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أبْصِرْ بِهِ وأسْمِعْ ما لَهم مِن دُونِهِ مِن ولِيٍّ﴾ الآيَةَ [الكهف: ٢٦]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ﴾ الآيَةَ [الشورى: ٤٤]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهم مِن دُونِهِ ولِيٌّ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٥١]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ ولِيٌّ﴾، ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، وسَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى زِيادَةُ إيضاحٍ وأمْثِلَةٍ.
والأظْهَرُ المُتَبادَرُ مِنَ الإضافَةِ في قَوْلِهِ: ”عِبادِي“ أنَّ المُرادَ بِهِمْ نَحْوُ المَلائِكَةِ (p-٣٤٩)وَعِيسى وعُزَيْرٍ، لا الشَّياطِينُ ونَحْوُهم؛ لِأنَّ مِثْلَ هَذِهِ الإضافَةِ لِلتَّشْرِيفِ غالِبًا، وقَدْ بَيَّنَ تَعالى: أنَّهم لا يَكُونُونَ أوْلِياءَ لَهم في قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٤٠ - ٤١]، وقَوْلِـهِ: ﴿إنّا أعْتَدْنا﴾ [الكهف: ١٠٢]، قَدْ أوْضَحْنا مَعْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ نارًا﴾ الآيَةَ [الكهف: ٢٩]، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا، وفي قَوْلِهِ: نُزُلًا أوْجُهٌ مِنَ التَّفْسِيرِ لِلْعُلَماءِ، أظْهَرُها: أنْ ”النُّزُلَ“ هو ما يُقَدَّمُ لِلضَّيْفِ عِنْدَ نُزُولِهِ، والقادِمُ عِنْدَ قُدُومِهِ، والمَعْنى: أنَّ الَّذِي يُهَيَّأُ لَهم مِنَ الإكْرامِ عِنْدَ قُدُومِهِمْ إلى رَبِّهِمْ هو جَهَنَّمُ المُعَدَّةُ لَهم، كَقَوْلِهِ: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٤]، وقَوْلِـهِ: ﴿يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩]، وقَدْ قَدَّمْنا شَواهِدَهُ العَرَبِيَّةَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى، ﴿يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ﴾؛ لِأنَّ ذَلِكَ الماءَ الَّذِي يَشْوِي الوُجُوهَ لَيْسَ فِيهِ إغاثَةٌ، كَما أنَّ جَهَنَّمَ لَيْسَتْ نُزُلَ إكْرامِ الضَّيْفِ أوْ قادِمٍ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ ”نُزُلًا“ بِمَعْنى المَنزِلِ، أيْ: أعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ مَنزِلًا، أيْ: مَكانَ نُزُولٍ، لا مَنزِلَ لَهم غَيْرُها، وأضْعَفُ الأوْجُهِ ما زَعَمَهُ بَعْضُهم مِن أنَّ ”النُّزُلَ“ جَمْعُ نازِلٍ، كَجَمْعِ الشّارِفِ عَلى شُرُفٍ بِضَمَّتَيْنِ، والَّذِي يَظْهَرُ في إعْرابِ ”نُزُلًا“ أنَّهُ حالٌ مُؤَوَّلَةٌ بِمَعْنى المُشْتَقِّ، أوْ مَفْعُولٌ لِـ ”أعْتَدْنا“ بِتَضْمِينِهِ مَعْنى صَيَّرْنا أوْ جَعَلْنا، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayah":"أَفَحَسِبَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَن یَتَّخِذُوا۟ عِبَادِی مِن دُونِیۤ أَوۡلِیَاۤءَۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ نُزُلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق