الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ . هَذا المانِعُ المَذْكُورُ هُنا عادِيٌّ؛ لِأنَّهُ جَرَتْ عادَةُ جَمِيعِ الأُمَمِ بِاسْتِغْرابِهِمْ بَعْثَ اللَّهِ رُسُلًا مِنَ البَشَرِ؛ • كَقَوْلِهِ: ﴿قالُوا إنْ أنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ١٠]، • وقَوْلِهِ: ﴿أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ٤٧]، • وقَوْلِهِ: ﴿أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إنّا إذًا لَفي ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ [القمر: ٢٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾ الآيَةَ [التغابن: ٦]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكم إنَّكم إذًا لَخاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٤] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ المانِعَ في هَذِهِ الآيَةِ عادِيٌّ: أنَّهُ تَعالى صَرَّحَ بِمانِعٍ آخَرَ غَيْرِ هَذا ”في سُورَةِ الكَهْفِ“ وهو قَوْلُهُ: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى ويَسْتَغْفِرُوا رَبَّهم إلّا أنْ تَأْتِيَهم سُنَّةُ الأوَّلِينَ أوْ يَأْتِيَهُمُ العَذابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥]، فَهَذا المانِعُ المَذْكُورُ ”في الكَهْفِ“ مانِعٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأنَّ مَن أرادَ اللَّهَ بِهِ سُنَّةَ الأوَّلِينَ مِنَ الإهْلاكِ، أوْ أنْ يَأْتِيَهُ (p-١٨٦)العَذابُ قُبُلًا فَإرادَتُهُ بِهِ ذَلِكَ مانِعَةٌ مِن خِلافِ المُرادِ؛ لِاسْتِحالَةِ أنْ يَقَعَ خِلافُ مُرادِهِ جَلَّ وعَلا، بِخِلافِ المانِعِ ”في آيَةِ بَنِي إسْرائِيلَ“ هَذِهِ، فَهو مانِعٌ عادِيٌّ يَصِحُّ تَخَلُّفُهُ، وقَدْ أوْضَحْنا هَذِهِ المَسْألَةَ في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“ . ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ . هَذِهِ الآيَةُ يَظْهَرُ تَعارُضُها مَعَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى ويَسْتَغْفِرُوا رَبَّهم إلّا أنْ تَأْتِيَهم سُنَّةُ الأوَّلِينَ﴾ [الكهف: ٥٥] ووَجْهُ الجَمْعِ أنَّ الحَصْرَ في آيَةِ ”الإسْراءِ“، حَصْرٌ في المانِعِ العادِيِّ. والحَصْرُ في آيَةِ ”الكَهْفِ“ في المانِعِ الحَقِيقِيِّ، وإيضاحُهُ هو ما ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ مِن أنَّ مَعْنى آيةِ ”الكَهْفِ“: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا﴾ إلّا أنَّ اللَّهَ أرادَ أنْ يَأْتِيَهم سُنَّةُ الأوَّلِينَ مِن أنْواعِ الهَلاكِ في الدُّنْيا أوْ يَأْتِيَهُمُ العَذابُ قُبُلًا في الآخِرَةِ، فَأخْبَرَ أنَّهُ أرادَ أنْ يُصِيبَهم أحَدُ الأمْرَيْنِ، ولا شَكَّ أنَّ إرادَةَ اللَّهِ مانِعَةٌ مِن وُقُوعِ ما يُنافِي مُرادَهُ، فَهَذا حَصْرٌ في المانِعِ الحَقِيقِيِّ، لِأنَّ اللَّهَ هو المانِعُ في الحَقِيقَةِ. وَمَعْنى آيَةِ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى﴾ [الإسراء: ١]، أنَّهُ ما مَنَعَ النّاسَ مِنَ الإيمانِ إلّا اسْتِغْرابُهم أنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رَسُولًا مِنَ البَشَرِ، واسْتِغْرابُهم لِذَلِكَ لَيْسَ مانِعًا حَقِيقِيًّا بَلْ عادِيًّا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ فَيُوجَدُ الإيمانُ مَعَهُ بِخِلافِ الأوَّلِ فَهو حَقِيقِيٌّ لا يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ، ولا وُجُودُ الإيمانِ مَعَهُ، ذَكَرَ هَذا الجَمْعَ صاحِبُ الإتْقانِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب