الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ ﴿أوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا﴾ ﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا أوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾ ﴿أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى في السَّماءِ ولَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلّا بَشَرًا رَسُولًا﴾، بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآياتِ الكَرِيمَةِ شِدَّةَ عِنادِ الكُفّارِ وتَعَنُّتِهِمْ، وكَثْرَةَ اقْتِراحاتِهِمْ لِأجْلِ التَّعَنُّتِ لا لِطَلَبِ الحَقِّ؛ فَذَكَرَ أنَّهم قالُوا لَهُ ﷺ: إنَّهم لَنْ يُؤْمِنُوا لَهُ - أيْ: لَنْ يُصَدِّقُوهُ - حَتّى يَفْجُرَ لَهم مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا، وهو يَفْعُولٌ مِن: نَبَعَ، أيْ: ماءٌ غَزِيرٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ﴾ (p-١٨٤)[الزمر: ٢١]، ﴿أوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ﴾ [الإسراء: ٩١] أيْ بُسْتانٌ مِن نَخِيلٍ وعِنَبٍ، فَيُفَجِّرَ خِلالَها - أيْ وسَطَها - أنْهارًا مِنَ الماءِ، أوْ يُسْقِطَ السَّماءَ عَلَيْهِمْ كِسَفًا: أيْ قِطَعًا كَما زَعَمَ، أيْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٩]، أوْ يَأْتِيَهِمْ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا: أيْ مُعايَنَةً. قالَهُ قَتادَةُ وابْنُ جُرَيْجٍ " كَقَوْلِهِ: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ أوْ نَرى رَبَّنا﴾ [الفرقان: ٢١] .
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: قَبِيلًا: أيْ كَفِيلًا؛ مِن تَقَبَّلَهُ بِكَذا: إذا كَفَلَهُ بِهِ. والقَبِيلُ والكَفِيلُ والزَّعِيمُ بِمَعْنًى واحِدٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَبِيلًا بِما تَقُولُ: شاهِدًا بِصِحَّتِهِ، وكَوْنُ القَبِيلِ في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى الكَفِيلِ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والضَّحّاكِ. وقالَ مُقاتِلٌ: قَبِيلًا شَهِيدًا. وقالَ مُجاهِدٌ: هو جَمْعُ قَبِيلَةٍ؛ أيْ تَأْتِي بِأصْنافِ المَلائِكَةِ، وعَلى هَذا القَوْلِ فَهو حالٌ مِنَ المَلائِكَةِ. أوْ يَكُونَ لَهُ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ: أيْ مِن ذَهَبٍ. ومِنهُ قَوْلُهُ ”في الزُّخْرُفِ“: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِن فَضَّةٍ﴾ - إلى قَوْلِهِ - ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٣ - ٣٥]، أيْ ذَهَبًا. أوْ يَرْقى في السَّماءِ: أيْ يَصْعَدَ فِيهِ، وإنَّهم لَنْ يُؤْمِنُوا لِرُقِيِّهِ، أيْ مِن أجْلِ صُعُودِهِ، حَتّى يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا يَقْرَءُونَهُ. وهَذا التَّعَنُّتُ والعِنادُ العَظِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا عَنِ الكُفّارِ هُنا بَيَّنَهُ في مَواضِعَ أُخَرَ، وبَيَّنَ أنَّهم لَوْ فَعَلَ اللَّهُ ما اقْتَرَحُوا ما آمَنُوا. لِأنَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الشَّقاءُ لا يُؤْمِنُ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ٧]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ ﴿لَقالُوا إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٤ - ١٥]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]،
• وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَلَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧]،
والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿كِتابًا نَقْرَؤُهُ﴾، أيْ كِتابًا مِنَ اللَّهِ إلى كُلِّ رَجُلٍ مِنّا.
وَيُوَضِّحُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى ”في المُدَّثِّرِ“: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُؤْتى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ (p-١٨٥)[ الآيَةُ ٥٢ ] كَما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا جاءَتْهم آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٢٤] . وقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣]، أيْ تَنْزِيهًا لِرَبِّي جَلَّ وعَلا عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِهِ، ويَدْخُلُ فِيهِ تَنْزِيهُهُ عَنِ العَجْزِ عَنْ فِعْلِ ما اقْتَرَحْتُمْ، فَهو قادِرٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وأنا بَشَرٌ أتَّبِعُ ما يُوحِيهِ إلَيَّ رَبِّي.
وَبَيَّنَ هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]، وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ﴾ الآيَةَ [فصلت: ٦]؛ وكَقَوْلِهِ تَعالى عَنْ جَمِيعِ الرُّسُلِ: ﴿قالَتْ لَهم رُسُلُهم إنْ نَحْنُ إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم ولَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ [إبراهيم: ١١] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَرَأ تَفْجُرَ، الأُولى عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِفَتْحِ التّاءِ وإسْكانِ الفاءِ وضَمِّ الجِيمِ، والباقُونَ بِضَمِّ التّاءِ وفَتْحِ الفاءِ وتَشْدِيدِ الجِيمِ مَكْسُورَةً، واتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى هَذا في الثّانِيَةِ. وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ كِسَفًا بِفَتْحِ السِّينِ والباقُونَ بِإسْكانِها، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: تُنْزِلَ بِإسْكانِ النُّونِ وتَخْفِيفِ الزّايِ، والباقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وشَدِّ الزّايِ.
{"ayah":"وَقَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق