الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ .
لَمّا بَيَّنَ جَلَّ وعَلا أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قَضى إلَيْهِمْ في الكِتابِ أنَّهم يُفْسِدُونَ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ، وأنَّهُ إذا جاءَ وعْدُ الأُولى مِنهُما: بَعَثَ عَلَيْهِمْ عِبادًا لَهُ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، فاحْتَلُّوا بِلادَهم وعَذَّبُوهم. وأنَّهُ إذا جاءَ وعْدُ المَرَّةِ الآخِرَةِ: بَعَثَ عَلَيْهِمْ قَوْمًا لِيَسُوءُوا وُجُوهَهم، ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ، ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا.
وَبَيَّنَ أيْضًا: أنَّهم إنْ عادُوا لِلْإفْسادِ المَرَّةَ الثّالِثَةَ فَإنَّهُ جَلَّ وعَلا يَعُودُ لِلِانْتِقامِ مِنهم بِتَسْلِيطِ أعْدائِهِمْ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ [الإسراء: ٨] ولَمْ يُبَيِّنْ هُنا: هَلْ عادُوا لِلْإفْسادِ المَرَّةَ الثّالِثَةَ أوْ لا ؟
وَلَكِنَّهُ أشارَ في آياتٍ أُخَرَ إلى أنَّهم عادُوا لِلْإفْسادِ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ ﷺ، وكَتْمِ صِفاتِهِ ونَقْضِ عُهُودِهِ، ومُظاهَرَةِ عَدُّوهُ عَلَيْهِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أفْعالِهِمُ القَبِيحَةِ. فَعادَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا لِلِانْتِقامِ مِنهم تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ [الإسراء: ٨] فَسَلِّطَ عَلَيْهِمْ نَبِيَّهُ ﷺ والمُسْلِمِينَ، فَجَرى عَلى بَنِي قُرَيْظَةَ، والنَّضِيرِ، وبَنِي قَيْنُقاعَ (p-١٦)وَخَيْبَرَ ما جَرى مِنَ القَتْلِ والسَّبْيِ والإجْلاءِ، وضَرْبِ الجِزْيَةِ عَلى مَن بَقِيَ مِنهم، وضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ.
فَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّهم عادُوا لِلْإفْسادِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمّا جاءَهم كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ﴾ ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ فَباءُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة: ٨٩، ٩٠]، وقَوْلُهُ: ﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٠٠]، وقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُمْ﴾ الآيَةَ [المائدة: ١٣]، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّهُ تَعالى عادَ لِلِانْتِقامِ مِنهم، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأوَّلِ الحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا وظَنُّوا أنَّهم مانِعَتُهم حُصُونُهم مِنَ اللَّهِ فَأتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ فاعْتَبِرُوا ياأُولِي الأبْصارِ﴾ ﴿وَلَوْلا أنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهم في الدُّنْيا ولَهم في الآخِرَةِ عَذابُ النّارِ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم شاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ومَن يُشاقِّ اللَّهَ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الحشر: ٢ - ٣، ٤٦]، وتَعالى: ﴿وَأنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهم مِن أهْلِ الكِتابِ مِن صَياصِيهِمْ وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهم وأمْوالَهم وأرْضًا لَمْ تَطَئُوها﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٢٦، ٢٧]، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَتَرَكْنا بَسْطَ قِصَّةِ الَّذِينَ سُلِّطُوا عَلَيْهِمْ في المَرَّتَيْنِ، لِأنَّها أخْبارٌ إسْرائِيلِيَّةٌ، وهي مَشْهُورَةٌ في كُتُبِ التَّفْسِيرِ والتّارِيخِ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
في قَوْلِهِ: ﴿حَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨] في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وجْهانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفانِ عِنْدَ العُلَماءِ، كُلٌّ مِنهُما يَشْهَدُ لِمَعْناهُ قُرْآنٌ. وقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ: أنَّ الآيَةَ قَدْ يَكُونُ فِيها وجْهانِ أوْ أوْجُهٌ، وكُلُّها صَحِيحٌ ويَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ؛ فَنُورِدُ جَمِيعَ ذَلِكَ لِأنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ:
الأوَّلُ: أنَّ الحَصِيرَ: المَحْبَسُ والسِّجْنُ؛ مِنَ الحَصْرِ وهو الحَبْسُ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: يُقالُ حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا: ضَيَّقَ عَلَيْهِ، وأحاطَ بِهِ. وهَذا الوَجْهُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ (p-١٧)تَعالى: ﴿وَإذا أُلْقُوا مِنها مَكانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣]، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ مَعْنى ﴿حَصِيرًا﴾؛ أيْ: فِراشًا ومِهادًا، مِنَ الحَصِيرِ الَّذِي يُفْرَشُ؛ لِأنَّ العَرَبَ تُسَمِّي البِساطَ الصَّغِيرَ حَصِيرًا. قالَ الثَّعْلَبِيُّ: وهو وجْهٌ حَسَنٌ. ويَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ ومِن فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٤١]، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. والمِهادُ: الفِراشُ.
{"ayah":"عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ حَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق