الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ ﴿إذًا لَأذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيرًا﴾ . بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَثْبِيتَهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ، وعِصْمَتَهُ لَهُ مِنَ الرُّكُونِ إلى الكُفّارِ، وأنَّهُ لَوْ رَكَنَ إلَيْهِمْ لَأذاقَهُ ضِعْفَ الحَياةِ (p-١٧٩)وَضِعْفَ المَماتِ؛ أيْ: مِثْلَيْ عَذابِ الحَياةِ في الدُّنْيا ومِثْلَيْ عَذابِ المَماتِ في الآخِرَةِ، وبِهَذا جَزَمَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ بَعْضُهم: المُرادُ بِضِعْفِ عَذابِ المَماتِ: العَذابُ المُضاعَفُ في القَبْرِ. والمُرادُ بِضِعْفِ الحَياةِ: العَذابُ المُضاعَفُ في الآخِرَةِ بَعْدَ حَياةِ البَعْثِ، وبِهَذا جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ. والآيَةُ تَشْمَلُ الجَمِيعَ. وَهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنا مِن شِدَّةِ الجَزاءِ لِنَبِيِّهِ - لَوْ خالَفَ - بَيَّنَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾ ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ الآيَةَ [الحاقة: ٤٤ - ٤٦] . وَهَذا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ مِن أنَّهُ إذا كانَتِ الدَّرَجَةُ أعْلى كانَ الجَزاءُ عِنْدَ المُخالَفَةِ أعْظَمَ - بَيَّنَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿يانِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٣٠] .، ولَقَدْ أجادَ مَن قالَ: ؎وَكَبائِرُ الرَّجُلِ الصَّغِيرِ صَغائِرُ وصَغائِرُ الرَّجُلِ الكَبِيرِ كَبائِرُ * تَنْبِيهٌ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ أوْضَحَتْ غايَةَ الإيضاحِ بَراءَةَ نَبِيِّنا ﷺ مِن مُقارَبَةِ الرُّكُونِ إلى الكُفّارِ، فَضْلًا عَنْ نَفْسِ الرُّكُونِ؛ لِأنَّ لَوْلا [الإسراء: ٧٤] حَرْفُ امْتِناعٍ لِوُجُودٍ؛ فَمُقارَبَةُ الرُّكُونِ مَنَعَتْها لَوْلا الِامْتِناعِيَّةُ لِوُجُودِ التَّثْبِيتِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وعَلا لِأكْرَمِ خَلْقِهِ ﷺ، فَصَحَّ يَقِينًا انْتِفاءُ مُقارَبَةِ الرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ نَفْسِهِ. وهَذِهِ الآيَةُ تُبَيِّنُ ما قَبْلَها، وأنَّهُ لَمْ يُقارِبِ الرُّكُونَ إلَيْهِمُ البَتَّةَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا﴾ [الإسراء: ٧٤]، أيْ قارَبْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ - هو عَيْنُ المَمْنُوعِ بِـ لَوْلا الِامْتَناعِيَّةِ كَما تَرى، ومَعْنى ﴿تَرْكَنُ إلَيْهِمْ﴾: تَمِيلُ إلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب