الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ﴾ . قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: المُرادُ ”بِإمامِهِمْ“ هُنا كِتابُ أعْمالِهِمْ. وَيَدُلُّ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢]، وقَوْلُهُ: ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨]، وقَوْلُهُ: ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ الآيَةَ [الكهف: ٤٩]، وقَوْلُهُ: ﴿وَكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنشُورًا﴾ [الإسراء: ١٣]، واخْتارَ هَذا القَوْلَ ابْنُ كَثِيرٍ؛ لِدَلالَةِ آيَةِ ”يس“ المَذْكُورَةِ عَلَيْهِ. وهَذا القَوْلُ رِوايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ذَكَرَها ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ، وعَزاهُ ابْنُ كَثِيرٍ لِابْنِ عَبّاسٍ وأبِي العالِيَةِ والضَّحّاكِ والحَسَنِ، وعَنْ قَتادَةَ ومُجاهِدٍ: أنَّ المُرادَ بِـ ﴿بِإمامِهِمْ﴾ نَبِيُّهم. (p-١٧٦)وَيَدُلُّ لِهَذا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإذا جاءَ رَسُولُهم قُضِيَ بَيْنَهم بِالقِسْطِ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧]، وقَوْلُهُ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ الآيَةَ [النساء: ٤١]، وقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ﴾ الآيَةَ [النحل: ٨٩]، وقَوْلُهُ: ﴿وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الكِتابُ وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَداءِ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٦٩] . قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: وفي هَذا أكْبَرُ شَرَفٍ لِأصْحابِ الحَدِيثِ؛ لِأنَّ إمامَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ . وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: ﴿بِإمامِهِمْ﴾؛ أيْ بِكِتابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى نَبِيِّهِمْ مِنَ التَّشْرِيعِ؛ ومِمَّنْ قالَ بِهِ: ابْنُ زَيْدٍ، واخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]، أيْ نَدْعُو كُلَّ قَوْمٍ بِمَن يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَأهْلُ الإيمانِ أئِمَّتُهُمُ الأنْبِياءُ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ، وأهْلُ الكُفْرِ أئِمَّتُهم سادَتُهم وكُبَراؤُهم مِن رُؤَساءِ الكَفَرَةِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ﴾ الآيَةَ [القصص: ٤١]، وهَذا الأخِيرُ أظْهَرُ الأقْوالِ عِنْدِي، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. فَقَدْ رَأيْتَ أقْوالَ العُلَماءِ في هَذِهِ الآيَةِ وما يَشْهَدُ لَها مِن قُرْآنٍ، وقَوْلُهُ بَعْدَ هَذا: ﴿فَمَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإسراء: ٧١]، مِنَ القَرائِنِ الدّالَّةِ عَلى تَرْجِيحِ ما اخْتارَهُ ابْنُ كَثِيرٍ مِن أنَّ الإمامَ في هَذِهِ الآيَةِ كِتابُ الأعْمالِ. وَذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ كِتابَهم بِأيْمانِهِمْ يَقْرَءُونَهُ ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. وَقَدْ أوْضَحَ هَذا في مَواضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ١٩] - إلى قَوْلِهِ - ﴿وَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥]، وقَدْ قَدَّمْنا هَذا مُسْتَوْفًى في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ. وَقَوْلُ مَن قالَ: إنَّ المُرادَ بِـ ﴿بِإمامِهِمْ﴾ كَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ”أُمَّهاتُهم“ أيْ يُقالُ: يا فُلانُ ابْنَ فُلانَةٍ - قَوْلٌ باطِلٌ بِلا شَكٍّ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يُرْفَعُ يَوْمَ القِيامَةِ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ فَيُقالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ ابْنِ فُلانٍ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب