الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قُلْنا لَكَ إنَّ رَبَّكَ أحاطَ بِالنّاسِ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٦٠]، بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ أخْبَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أنَّهُ أحاطَ بِالنّاسِ؛ أيْ فَهم في قَبْضَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشاءُ فَيُسَلِّطُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِمْ ويَحْفَظُهُ مِنهم. قالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: ومِنَ الآياتِ الَّتِي فَصَّلَتْ بَعْضَ التَّفْصِيلِ في هَذِهِ الإحاطَةِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، وقَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ١٢]، وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، وفي هَذا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وبَعْضُ الآياتِ المَذْكُورَةِ مَدَنِيٌّ. أمّا آيَةُ القَمَرِ وهي قَوْلُهُ: ﴿سَيُهْزَمُ الجَمْعُ﴾ [القمر: ٤٥]، الآتِيَةُ فَلا إشْكالَ في البَيانِ بِها لِأنَّها مَكِّيَّةٌ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا الَّتِي أرَيْناكَ إلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ﴾ . التَّحْقِيقُ في مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا جَعَلَ ما أراهُ نَبِيَّهُ ﷺ مِنَ الغَرائِبِ والعَجائِبِ لَيْلَةَ الإسْراءِ والمِعْراجِ فِتْنَةً لِلنّاسِ؛ لِأنَّ عُقُولَ بَعْضِهِمْ ضاقَتْ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ، مُعْتَقِدَةً أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ حَقًّا، قالُوا: كَيْفَ يُصَلِّي بِبَيْتِ المَقْدِسِ، ويَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّباقَ، ويَرى ما رَأى في لَيْلَةٍ واحِدَةٍ، ويُصْبِحُ في مَحِلِّهِ بِمَكَّةَ ؟ هَذا مُحالٌ، فَكانَ هَذا الأمْرُ فِتْنَةً لَهم لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ، واعْتِقادِهِمْ أنَّهُ لا يُمْكِنُ، وأنَّهُ جَلَّ وعَلا جَعَلَ الشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ الَّتِي هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلنّاسِ، لِأنَّهم لَمّا سَمِعُوهُ ﷺ يَقْرَأُ: ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ الآيَةَ [الصافات: ٦٤]، قالُوا: ظَهَرَ كَذِبُهُ؛ لِأنَّ الشَّجَرَ لا يَنْبُتُ في الأرْضِ اليابِسَةِ، فَكَيْفَ يَنْبُتُ في أصْلِ النّارِ ؟ فَصارَ ذَلِكَ فِتْنَةً. وبَيَّنَ أنَّ هَذا هو المُرادُ مِن كَوْنِ الشَّجَرَةِ المَذْكُورَةِ فِتْنَةً لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾ ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ الآيَةَ [الصافات: ٦٢ - ٦٤] وهو واضِحٌ كَما تَرى. وأشارَ في مَوْضِعٍ آخَرَ إلى الرُّؤْيا الَّتِي جَعَلَها فِتْنَةً لَهم، وهو قَوْلُهُ: ﴿أفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى﴾ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى﴾ ﴿عِنْدَها جَنَّةُ المَأْوى﴾ ﴿إذْ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ ﴿ما زاغَ البَصَرُ وما طَغى﴾ ﴿لَقَدْ رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبْرى﴾ [النجم: ١٢ - ١٨]، وقَدْ قَدَّمْنا إيضاحَ هَذا في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ. وبِهَذا التَّحْقِيقِ الَّذِي ذَكَرْنا تَعْلَمُ (p-١٦٦)أنَّ قَوْلَ مَن قالَ: إنَّ الرُّؤْيا الَّتِي أراهُ اللَّهُ إيّاها هي رُؤْياهُ في المَنامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلى مِنبَرِهِ، وإنَّ المُرادَ بِالشَّجَرَةِ المَلْعُونَةِ في القُرْآنِ بَنُو أُمَيَّةَ - لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ إذْ لا أساسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ، والحَدِيثُ الوارِدُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وإنَّما وصَفَ الشَّجَرَةَ بِاللَّعْنِ لِأنَّها في أصْلِ النّارِ، وأصْلُ النّارِ بَعِيدٌ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، واللَّعْنُ: الإبْعادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أوْ لِخُبْثِ صِفاتِها الَّتِي وُصِفَتْ بِها في القُرْآنِ، أوْ لِلَعْنِ الَّذِينَ يَطْعَمُونَها. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب