الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ . بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ جَعَلَ عَلى قُلُوبِ الكُفّارِ أكِنَّةً (جَمْعُ كِنانٍ) وهو ما يَسْتُرُ الشَّيْءَ ويُغَطِّيهِ ويُكِنُّهُ، لِئَلّا يَفْقَهُوا القُرْآنَ، أوْ كَراهَةَ أنْ يَفْقَهُوهُ لِحَيْلُولَةِ تِلْكَ الأكِنَّةِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وبَيْنَ فِقْهِ القُرْآنِ؛ أيْ فَهْمِ مَعانِيهِ فَهْمًا يَنْتَفِعُ بِهِ صاحِبُهُ، وأنَّهُ جَعَلَ في آذانِهِمْ وقْرًا؛ أيْ صَمَمًا وثِقَلًا لِئَلّا يَسْمَعُوهُ سَماعَ قَبُولٍ وانْتِفاعٍ. وَبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ سَبَبَ الحَيْلُولَةِ بَيْنَ القُلُوبِ وبَيْنَ الِانْتِفاعِ بِهِ، وأنَّهُ هو كُفْرُهم، (p-١٦١)فَجازاهُمُ اللَّهُ عَلى كُفْرِهِمْ بِطَمْسِ البَصائِرِ وإزاغَةِ القُلُوبِ والطَّبْعِ والخَتْمِ والأكِنَّةِ المانِعَةِ مِن وُصُولِ الخَيْرِ إلَيْها، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ الآيَةَ [الصف: ٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠]، • وقَوْلِهِ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٠٢]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ وماتُوا وهم كافِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. * تَنْبِيهٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ الرَّدُّ الواضِحُ عَلى القَدَرِيَّةِ في قَوْلِهِمْ: إنَّ الشَّرَّ لا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، بَلْ بِمَشِيئَةِ العَبْدِ؛ سُبْحانَ اللَّهِ وتَعالى عُلُوًّا كَبِيرًا عَنْ أنْ يَقَعَ في مُلْكِهِ شَيْءٌ لَيْسَ بِمَشِيئَتِهِ ؟ ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧]، ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ الآيَةَ [السجدة: ١٣]، ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ في القُرْآنِ وحْدَهُ ولَّوْا عَلى أدْبارِهِمْ نُفُورًا﴾ . بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ نَبِيَّهُ ﷺ إذا ذَكَرَ رَبَّهُ وحْدَهُ في القُرْآنِ بِأنْ قالَ: ”لا إلَهَ إلّا اللَّهُ“ ولّى الكافِرُونَ عَلى أدْبارِهِمْ نُفُورًا، بُغْضًا مِنهم لِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، ومَحَبَّةً لِلْإشْراكِ بِهِ جَلَّ وعَلا. وَأوْضَحَ هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ، مُبَيِّنًا أنَّ نُفُورَهم مِن ذِكْرِهِ وحْدَهُ جَلَّ وعَلا سَبَبُ خُلُودِهِمْ في النّارِ، • كَقَوْلِهِ: ﴿وَإذا ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وإذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إذا هم يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ﴾ [غافر: ١٢]، • وقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا إذا قِيلَ لَهم لا إلَهَ إلّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ أئِنّا لَتارِكُو آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: ٣٥، ٣٦]، • وقَوْلِهِ: ﴿كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهم إلَيْهِ﴾ الآيَةَ [الشورى: ١٣]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ [الحج: ٧٢]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٧٢] . (p-١٦٢) وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: نُفُورًا [الإسراء: ٤٦] جَمْعُ نافِرٍ؛ فَهو حالٌ. أيْ ولَّوْا عَلى أدْبارِهِمْ في حالِ كَوْنِهِمْ نافِرِينَ مِن ذِكْرِ اللَّهِ وحْدَهُ مِن دُونِ إشْراكٍ، والفاعِلُ يُجْمَعُ عَلى فُعُولٍ كَساجِدٍ وسُجُودٍ، وراكِعٍ ورُكُوعٍ. وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ”نُفُورًا“ مَصْدَرٌ، وعَلَيْهِ فَهو ما نابَ عَنِ المُطْلَقِ مِن قَوْلِهِ: ولَّوْا؛ لِأنَّ التَّوْلِيَةَ عَنْ ذِكْرِهِ وحْدَهُ بِمَعْنى النُّفُورِ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب