الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ، يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِما أجابُوا بِهِ رَسُولَهم، وأنَّهُ يَأْتِي بِنَبِيِّنا ﷺ شاهِدًا عَلَيْنا. وبَيَّنَ هَذا المَعْنى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ (p-٤٢٧)الأرْضُ﴾ . . . الآيَةَ [النساء: ٤١، ٤٢]، وكَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩]، وكَقَوْلِهِ: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اقْرَأْ عَلَيَّ“، قالَ: فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أأقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ! قالَ: ”نَعَمْ؛ إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيْرِي“، فَقَرَأْتُ ”سُورَةَ النِّساءِ“، حَتّى أتَيْتُ إلى هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١]، فَقالَ: ”حَسْبُكَ الآنَ“، فَإذا عَيْناهُ تَذْرِفانِ» . اه.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ﴾ [النحل: ٨٩]، مَنصُوبٌ بـِ ”اذْكُرْ“ مُقَدَّرًا. والشَّهِيدُ في هَذِهِ الآيَةِ فَعِيلَ بِمَعْنى فاعِلٍ، أيْ: شاهِدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ . ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ هَذا الكِتابَ العَظِيمَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ. وبَيَّنَ ذَلِكَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُرادَ بِالكِتابِ فِيها القُرْآنُ. أمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ. فَلا بَيانَ بِالآيَةِ. وعَلى كُلِّ حالٍ فَلا شَكَّ أنَّ القُرْآنَ فِيهِ بَيانُ كُلِّ شَيْءٍ. والسُّنَّةُ كُلُّها تَدْخُلُ في آيَةٍ واحِدَةٍ مِنهُ؛ وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] .
وَقالَ السُّيُوطِيُّ في ”الإكْلِيلِ“ في اسْتِنْباطِ التَّنْزِيلِ، قالَ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، وقالَ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وقالَ ﷺ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ ”، قِيلَ: وما المَخْرَجُ مِنها ؟ قالَ:“ كِتابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ ما قَبْلَكم، وخَبَرُ ما بَعْدَكم، وحُكْمُ ما بَيْنَكم»، أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ في سُنَنِهِ: حَدَّثَنا خَدِيجُ بْنُ مُعاوِيَةَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: مَن أرادَ العِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالقُرْآنِ؛ فَإنَّ فِيهِ خَبَرَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ. قالَ البَيْهَقِيُّ: أرادَ بِهِ أُصُولَ العِلْمِ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أنْزَلَ اللَّهُ مِائَةً وأرْبَعَةَ كُتُبٍ، أوْدَعَ عُلُومَها أرْبَعَةً: التَّوْراةَ، والإنْجِيلَ، والزَّبُورَ، والفُرْقانَ. ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ الثَّلاثَةِ الفَرْقانَ، ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ القُرْآنِ: المُفَصَّلَ، ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ المُفَصَّلِ: فاتِحَةَ الكِتابِ؛ فَمَن عَلِمَ تَفْسِيرَها كانَ كَمَن عَلِمَ تَفْسِيرَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ. أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ.
(p-٤٢٨)وَقالَ الإمامُ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَمِيعُ ما تَقُولُهُ الأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ، وجَمِيعُ شَرْحِ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ.
وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ما سَمِعْتُ حَدِيثًا إلّا التَمَسْتُ لَهُ آيَةً مِن كِتابِ اللَّهِ.
وَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ما بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى وجْهِهِ إلّا وجَدْتُ مِصْداقَهُ في كِتابِ اللَّهِ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذا حَدَّثْتُكم بِحَدِيثٍ أنْبَأْتُكم بِتَصْدِيقِهِ مِن كِتابِ اللَّهِ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أيْضًا: أُنْزِلَ في القُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ، وبُيِّنَ لَنا فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، ولَكِنَّ عِلْمَنا يَقْصُرُ عَمّا بُيِّنَ لَنا في القُرْآنِ. أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ لَوْ أغْفَلَ شَيْئًا لَأغْفَلَ الذَّرَّةَ والخَرْدَلَةَ والبَعُوضَةَ» .
وَقالَ الشّافِعِيُّ أيْضًا: جَمِيعُ ما حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَهو مِمّا فَهِمَهُ مِنَ القُرْآنِ.
قُلْتُ: ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُهُ ﷺ: «إنِّي لا أحِلُّ إلّا ما أحَلَّ اللَّهُ في كِتابِهِ، ولا أُحَرِّمُ إلّا ما حَرَّمَ اللَّهُ في كِتابِهِ»، رَواهُ بِهَذا اللَّفْظِ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ.
وَقالَ الشّافِعِيُّ أيْضًا: لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأحَدٍ في الدِّينِ نازِلَةٌ إلّا في كِتابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلى سَبِيلِ الهُدى فِيها، فَإنْ قِيلَ: مِنَ الأحْكامِ ما ثَبَتَ ابْتِداءً بِالسُّنَّةِ ؟ قُلْنا: ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِن كِتابِ اللَّهِ في الحَقِيقَةِ؛ لِأنَّ كِتابَ اللَّهِ أوْجَبَ عَلَيْنا اتِّباعَ الرَّسُولِ ﷺ، وفَرَضَ عَلَيْنا الأخْذَ بِقَوْلِهِ.
وَقالَ الشّافِعِيُّ مَرَّةً بِمَكَّةَ: سَلُونِي عَمّا شِئْتُمْ، أُخْبِرْكم عَنْهُ مِن كِتابِ اللَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: ما تَقَوُلُ في المُحْرِمِ يَقْتُلُ الزُّنْبُورَ ؟ فَقالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وحَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِ بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «”اقْتَدَوْا بِاللَّذَيْنِ مِن بَعْدِي: أبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ»“، وحَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: أنَّهُ أمَرَ بِقَتْلِ المُحْرِمِ الزُّنْبُورَ.
(p-٤٢٩)وَرَوى البُخارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّراتِ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَقالَتْ لَهُ امْرَأةٌ في ذَلِكَ. فَقالَ: وما لِي لا ألْعَنُ مِن لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو في كِتابِ اللَّهِ. فَقالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ ما بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَما وجَدْتُ فِيهِ ما تَقُولُ ؟ ! قالَ: لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وجَدْتِيها ! أما قَرَأْتِ ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، ؟ قالَتْ: بَلى. قالَ: فَإنَّهُ قَدْ نَهى عَنْهُ.
وَقالَ ابْنُ بُرْجانَ: ما قالَ النَّبِيُّ ﷺ مِن شَيْءٍ فَهو في القُرْآنِ، أوْ فِيهِ أصْلُهُ قَرُبَ أوْ بَعُدَ، فَهِمَهُ مَن فَهِمَ، أوْ عَمِهَ عَنْهُ مَن عَمِهَ، وكَذا كُلُّ ما حَكَمَ أوْ قَضى بِهِ.
وَقالَ غَيْرُهُ: ما مِن شَيْءٍ إلّا يُمْكِنُ اسْتِخْراجُهُ مِنَ القُرْآنِ لِمَن فَهَّمَهُ اللَّهُ تَعالى؛ حَتّى إنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمُرَ النَّبِيِّ ﷺ ثَلاثًا وسِتِّينَ مِن قَوْلِهِ ”في سُورَةِ المُنافِقِينَ“: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذا جاءَ أجَلُها﴾ [المنافقون: ١١]؛ فَإنَّها رَأْسُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سُورَةٍ، وعَقَّبَها ”بِالتَّغابُنِ“، لِيُظْهِرَ التَّغابُنَ في فَقْدِهِ.
وَقالَ المُرْسِيُّ: جَمَعَ القُرْآنُ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِها عِلْمًا حَقِيقَةً إلّا المُتَكَلِّمُ بِهِ، ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، خَلا ما اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ سُبْحانَهُ، ثُمَّ ورِثَ عَنْهُ مُعْظَمَ ذَلِكَ ساداتُ الصَّحابَةِ وأعْلامُهم؛ مِثْلُ الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ، ومِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ حَتّى قالَ: لَوْ ضاعَ لِي عِقالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ في كِتابِ اللَّهِ. ثُمَّ ورِثَ عَنْهُمُ التّابِعُونَ لَهم بِإحْسانٍ، ثُمَّ تَقاصَرَتِ الهِمَمُ، وفَتَرَتِ العَزائِمُ، وتَضاءَلَ أهْلُ العِلْمِ، وضَعُفُوا عَنْ حَمْلِ ما حَمَلَهُ الصَّحابَةُ والتّابِعُونَ مِن عُلُومِهِ وسائِرِ فُنُونِهِ؛ فَنَوَّعُوا عُلُومَهُ، وقامَتْ كُلُّ طائِفَةٍ بِفَنٍّ مِن فُنُونِهِ.
فاعْتَنى قَوْمٌ بِضَبْطِ لُغاتِهِ، وتَحْرِيرِ كَلِماتِهِ، ومَعْرِفَةِ مَخارِجِ حُرُوفِهِ وعَدَدِها، وعَدِّ كَلِماتِهِ وآياتِهِ، وسُوَرِهِ وأجْزائِهِ، وأنْصافِهِ وأرْباعِهِ، وعَدَدِ سَجَداتِهِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن حَصْرِ الكَلِماتِ المُتَشابِهَةِ، والآياتِ المُتَماثِلَةِ. مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعانِيهِ، ولا تَدَبُّرٍ لِما أُوُدِعَ فِيهِ. فَسُمُّوا القُرّاءَ.
واعْتَنى النُّحاةُ بِالمُعْرَبِ مِنهُ والمَبْنِيِّ مِنَ الأسْماءِ والأفْعالِ، والحُرُوفِ العامِلَةِ وغَيْرِها. وأوْسَعُوا الكَلامَ في الأسْماءِ وتَوابِعِها، وضُرُوبِ الأفْعالِ، واللّازِمِ والمُتَعَدِّي، ورُسُومِ خَطَّ الكَلِماتِ، وجَمِيعِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ حَتّى إنَّ بَعْضَهم أعْرَبَ مُشْكَلَهُ. وبَعْضُهم أعْرَبَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً.
(p-٤٣٠)واعْتَنى المُفَسِّرُونَ بِألْفاظِهِ، فَوَجَدُوا مِنهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلى مَعْنًى واحِدٍ، ولَفْظًا يَدُلُّ عَلى مَعْنَيَيْنِ، ولَفْظًا يَدُلُّ عَلى أكْثَرِ؛ فَأجْرَوْا الأوَّلَ: عَلى حُكْمِهِ، وأوْضَحُوا الخَفِيَّ مِنهُ، وخاضُوا إلى تَرْجِيحِ أحَدِ مُحْتَمالاتِ ذِي المَعْنَيَيْنِ أوِ المَعانِي، وأعْمَلَ كُلٌّ مِنهم فِكْرَهُ، وقالَ بِما اقْتَضاهُ نَظَرُهُ.
واعْتَنى الأُصُولِيُّونَ بِما فِيهِ مِنَ الأدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ، والشَّواهِدِ الأصْلِيَّةِ والنَّظَرِيَّةِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الكَثِيرَةِ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ أدِلَّةً عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ ووُجُودِهِ، وبَقائِهِ وقِدَمِهِ، وقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ، وتَنْزِيهِهِ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ؛ وسَمَّوْا هَذا العِلْمَ بـِ ”، أُصُولِ الدِّينِ“ .
وَتَأمَّلَتْ طائِفَةٌ مَعانِيَ خِطابِهِ؛ فَرَأتْ مِنها ما يَقْتَضِي العُمُومَ، ومِنها ما يَقْتَضِي الخُصُوصَ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ أحْكامَ اللُّغَةِ مِنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ، وتَكَلَّمُوا في التَّخْصِيصِ والإضْمارِ، والنَّصِّ والظّاهِرِ، والمُجْمَلِ والمُحْكَمِ والمُتَشابِهِ، والأمْرِ والنَّهْيِ والنَّسْخِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الأقْيِسَةِ، واسْتِصْحابِ الحالِ والِاسْتِقَراءِ؛ وسَمَّوْا هَذا الفَنَّ ”أُصُولَ الفِقْهِ“ .
وَأحْكَمَتْ طائِفَةٌ صَحِيحَ النَّظَرِ، وصادِقَ الفِكْرِ فِيما فِيهِ مِنَ الحَلالِ والحَرامِ، وسائِرِ الأحْكامِ، فَأسَّسُوا أُصُولَهُ وفُرُوعَهُ، وبَسَطُوا القَوْلَ في ذَلِكَ بَسْطًا حَسَنًا؛ وسَمَّوْهُ بِ ”عِلْمِ الفُرُوعِ“ وبِ ”، الفِقْهِ أيْضًا “ .
وَتَلَمَّحَتْ طائِفَةٌ ما فِيهِ مِن قَصَصِ القُرُونِ السّابِقَةِ، والأُمَمِ الخالِيَةِ، ونَقَلُوا أخْبارَهم، ودَوَّنُوا آثارَهم ووَقائِعَهم. حَتّى ذَكَرُوا بَدْءَ الدُّنْيا، وأوَّلَ الأشْياءِ؛ وسَمَّوْا ذَلِكَ بِ ”التّارِيخِ والقَصَصِ“ .
وَتَنَبَّهَ آخَرُونَ لِما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ والأمْثالِ، والمَواعِظِ الَّتِي تُقَلْقِلُ قُلُوبَ الرِّجالِ، وتَكادُ تُدَكْدِكُ الجِبالَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِمّا فِيهِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ، والتَّحْذِيرِ والتَّبْشِيرِ، وذِكْرِ المَوْتِ والمَعادِ، والنَّشْرِ والحَشْرِ، والحِسابِ والعِقابِ، والجَنَّةِ والنّارِ، فُصُولًا مِنَ المَواعِظِ، وأُصُولًا مِنَ الزَّواجِرِ. فَسُمُّوا بِذَلِكَ ”الخُطَباءَ والوُعّاظَ“ .
واسْتَنْبَطَ قَوْمٌ مِمّا فِيهِ مِن أُصُولِ التَّعْبِيرِ؛ مِثْلَ ما ورَدَ في قِصَّةِ يُوسُفَ: مِنَ البَقَراتِ السِّمانِ، وفي مَنامَيْ صاحِبَيِ السِّجْنِ، وفي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجُومِ ساجِداتٍ، وسَمَّوْهُ ”تَعْبِيرَ الرُّؤْيا“؛ واسْتَنْبَطُوا تَفْسِيرَ كُلِّ رُؤْيا مِنَ الكِتابِ، فَإنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ إخْراجُها (p-٤٣١)مِنهُ، فَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي هي شارِحَةُ الكِتابِ، فَإنْ عَسُرَ فَمِنَ الحِكَمِ والأمْثالِ. ثُمَّ نَظَرُوا إلى اصْطِلاحِ العَوامِّ في مُخاطَباتِهِمْ، وعُرْفِ عاداتِهِمُ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ القُرْآنُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] .
وَأخَذَ قَوْمٌ مِمّا في آياتِ المَوارِيثِ مِن ذِكْرِ السِّهامِ وأرْبابِها، وغَيْرِ ذَلِكَ ”عِلْمَ الفَرائِضِ“، واسْتَنْبَطُوا مِنها مِن ذِكْرِ النِّصْفِ والثُّلُثِ، والرُّبْعِ والسُّدُسِ والثُّمُنِ ”حِسابَ الفَرائِضِ“، ومَسائِلَ العَوْلِ؛ واسْتَخْرَجُوا مِنهُ أحْكامَ الوَصايا.
وَنَظَرَ قَوْمٌ إلى ما فِيهِ الآياتُ الدّالّاتُ عَلى الحِكَمِ الباهِرَةِ في اللَّيْلِ والنَّهارِ، والشَّمْسِ والقَمَرِ ومَنازِلِهِ، والنُّجُومِ والبُرُوجِ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَخْرَجُوا ”عِلْمَ المَواقِيتِ“ .
وَنَظَرَ الكُتّابُ والشُّعَراءُ إلى ما فِيهِ مِن جَزالَةِ اللَّفْظِ وبَدِيعِ النَّظْمِ، وحُسْنِ السِّياقِ والمَبادِئِ، والمَقاطِيعِ والمَخالِصِ والتَّلْوِينِ في الخِطابِ، والإطْنابِ والإيجازِ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ ”عِلْمَ المَعانِي والبَيانِ والبَدِيعِ“ .
وَنَظَرَ فِيهِ أرْبابُ الإشاراتِ وأصْحابُ الحَقِيقَةِ؛ فَلاحَ لَهم مِن ألْفاظِهِ مَعانٍ ودَقائِقُ، جَعَلُوا لَها أعْلامًا اصْطَلَحُوا عَلَيْها، مِثْلَ الغِناءِ والبَقاءِ، والحُضُورِ والخَوْفِ والهَيْبَةِ، والأُنْسِ والوَحْشَةِ، والقَبْضِ والبَسْطِ، وما أشْبَهَ ذَلِكَ.
هَذِهِ الفُنُونُ الَّتِي أخَذَتْها المِلَّةُ الإسْلامِيَّةُ مِنهُ.
وَقَدِ احْتَوى عَلى عُلُومٍ أُخَرَ مِن عُلُومِ الأوائِلِ، مِثْلَ: الطِّبِّ، والجَدَلِ، والهَيْئَةِ، والهَنْدَسَةِ والجَبْرِ، والمُقابَلَةِ والنَّجامَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ.
أمّا الطِّبُّ: فَمَدارُهُ عَلى حِفْظِ نِظامِ الصِّحَّةِ، واسْتِحْكامِ القُوَّةِ؛ وذَلِكَ إنَّما يَكُونُ بِاعْتِدالِ المِزاجِ تَبَعًا لِلْكَيْفِيّاتِ المُتَضادَّةِ، وقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ في آيَةٍ واحِدَةٍ وهي قَوْلُهُ: ﴿وَكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا﴾ [الفرقان: ٦٧] .
وَعَرَّفَنا فِيهِ بِما يُعِيدُ نِظامَ الصِّحَّةِ بَعْدَ اخْتِلالِهِ، وحُدُوثِ الشِّفاءِ لِلْبَدَنِ بَعْدَ اعْتِلالِهِ في قَوْلِهِ: ﴿شَرابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] .
ثُمَّ زادَ عَلى طِبِّ الأجْسادِ بِطِبِّ القُلُوبِ، وشِفاءِ الصُّدُورِ.
وَأمّا الهَيْئَةُ: فَفي تَضاعِيفِ سُورَهِ مِنَ الآياتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيها مِن مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ، وما بَثَّ في العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ مِنَ المَخْلُوقاتِ مِنهُ.(p-٤٣٢)
وَأمّا الهَنْدَسَةُ: فَفي قَوْلِهِ: ﴿انْطَلِقُوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ﴾ ﴿لا ظَلِيلٍ ولا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾ [المرسلات: ٣٠، ٣١]، فَإنَّ فِيهِ قاعِدَةً هَنْدَسِيَّةً، وهو أنَّ الشَّكْلَ المُثَلَّثَ لا ظِلَّ لَهُ.
وَأمّا الجَدَلُ: فَقَدْ حَوَتْ آياتُهُ مِنَ البَراهِينِ والمُقَدِّماتِ والنَّتائِجِ، والقَوْلِ بِالمُوجَبِ، والمُعارَضَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا، ومُناظَرَةُ إبْراهِيمَ أصْلٌ في ذَلِكَ عَظِيمٌ.
وَأمّا الجَبْرُ والمُقابَلَةُ: فَقَدْ قِيلَ: إنَّ أوائِلَ السُّورِ ذُكِرَ عَدَدٌ وأعْوامٌ وأيّامٌ لِتَوارِيخِ أُمَمٍ سالِفَةٍ، وإنَّ فِيها تارِيخَ بَقاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وتارِيخَ مُدَّةِ الدُّنْيا، وما مَضى وما بَقِيَ، مَضْرُوبًا بَعْضُها في بَعْضٍ.
وَأمّا النَّجامَةُ: فَفي قَوْلِهِ: أوْ أثارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ [الأحقاف: ٤]، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ بِذَلِكَ.
وَفِيهِ مِن أُصُولِ الصَّنائِعِ، وأسْماءِ الآلاتِ الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْها، فَمِنَ الصَّنائِعِ الخِياطَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ﴾ . . . الآيَةَ [الأعراف: ٢٢، ٢٠ \ ١٢١]، والحِدادَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ [الكهف: ٩٦]، وقَوْلِهِ: ﴿وَألَنّا لَهُ الحَدِيدَ﴾ الآيَةَ [سبإ: ١٠]، والبِناءُ في آياتٍ، والنِّجارَةُ، ﴿أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧]، والغَزْلُ: ﴿نَقَضَتْ غَزْلَها﴾ [النحل: ٩٢]، والنَّسْجُ: ﴿كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١]، والفِلاحَةُ: ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣]، في آياتٍ أُخَرَ، والصَّيْدُ في آياتٍ، والغَوْصُ:، ﴿والشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وغَوّاصٍ﴾ [ص: ٣٧]، ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً﴾ [النحل: ١٤]، والصِّياغَةُ ﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيِّهِمْ عِجْلًا﴾ . . . الآيَةَ [الأعراف: ١٤٨]، والزُّجاجَةُ: ﴿صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَوارِيرَ﴾ [الصافات: ٤٤]، ﴿المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾ [النور: ٣٥]، والفِخارَةُ ﴿فَأوْقِدْ لِي ياهامانُ عَلى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨]، والمِلاحَةُ ﴿أمّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ﴾ [الكهف: ٧٩]، والكِتابَةُ ﴿عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ [العلق: ٤]، في آياتٍ أُخَرَ، والخَبْزُ والطَّحْنُ:، ﴿أحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنهُ﴾ [يوسف: ٣٦]، والطَّبْخُ، ﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩]، والغَسْلُ والقِصارَةُ، ﴿وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤]، ﴿قالَ الحَوارِيُّونَ﴾ [آل عمران: ٥٢ ] [ ٥ \ ١١٢ ] [ ٦١ \ ١٤]، وهُمُ القَصّارُونَ، والجِزارَةُ ﴿إلّا ما ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣]، والبَيْعُ والشِّراءُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، والصَّبْغُ، ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ . . . الآيَةَ [البقرة: ١٣٨]، ﴿جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ﴾ . . . الآيَةَ [فاطر: ٢٧]، والحِجارَةُ، ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا﴾ [الشعراء: ١٤٩]، والكِيالَةُ (p-٤٣٣)والوَزْنُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، والرَّمْيُ: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال: ١٧]، ﴿وَأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠] .
وَفِيهِ مِن أسْماءِ الألاتِ، وضُرُوبِ المَأْكُولاتِ والمَشْرُوباتِ والمَنكُوحاتِ، وجَمِيعِ ما وقَعَ ويَقَعُ في الكائِناتِ ما يُحَقِّقُ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، انْتَهى كَلامُ المُرْسِيِّ مُلَخَّصًا مَعَ زِياداتٍ.
قُلْتُ: قَدِ اشْتَمَلَ كِتابُ اللَّهِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ. أمّا أنْواعُ العُلُومِ فَلَيْسَ مِنها بابٌ ولا مَسْألَةٌ هي أصْلٌ، إلّا وفي القُرْآنِ ما يَدُلُّ عَلَيْها. وفِيهِ عِلْمُ عَجائِبِ المَخْلُوقاتِ، ومَلَكُوتُ السَّماواتِ والأرْضِ، وما في الأُفُقِ الأعْلى، وما تَحْتَ الثَّرى، وبَدْءُ الخَلْقِ، وأسْماءُ مَشاهِيرِ الرُّسُلِ والمَلائِكَةِ، وعُيُونُ أخْبارِ الأُمَمِ السّالِفَةِ؛ كَقِصَّةِ آدَمَ مَعَ إبْلِيسَ في إخْراجِهِ مِنَ الجَنَّةِ، وفي الوَلَدِ الَّذِي سَمّاهُ عَبْدَ الحارِثِ، ورَفْعُ إدْرِيسَ وإغْراقُ قَوْمِ نُوحٍ، وقِصَّةُ عادٍ الأُولى والثّانِيَةُ، وثَمُودَ، والنّاقَةَ، وقَوْمِ لُوطٍ، وقَوْمِ شُعَيْبٍ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ فَإنَّهُ أُرْسِلَ مَرَّتَيْنِ، وقَوْمِ تُبَّعٍ، ويُونُسَ، وإلْياسَ، وأصْحابِ الرَّسِّ، وقِصَّةِ مُوسى في وِلادَتِهِ وفي إلْقائِهِ في اليَمِّ، وقَتْلِهِ القِبْطِيَّ، ومَسِيرِهِ إلى مَدْيَنَ وتَزَوُّجِهِ ابْنَةَ شُعَيْبٍ، وكَلامِهِ تَعالى بِجانِبِ الطُّورِ، وبَعْثِهِ إلى فِرْعَوْنَ، وخُرُوجِهِ وإغْراقِ عَدُوِّهِ، وقِصَّةُ العَجَلِ، والقَوْمِ الَّذِينَ خَرَجَ بِهِمْ وأخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ، وقِصَّةُ القِتالِ وذَبْحِ البَقَرَةِ، وقِصَّتُهُ في قِتالِ الجَبّارِينَ، وقِصَّتُهُ مَعَ الخِضْرِ والقَوْمِ الَّذِينَ سارُوا في سِرْبٍ مِنَ الأرْضِ إلى الصِّينِ، وقِصَّةُ طالُوتَ وداوُدَ مَعَ جالُوتَ وقَتْلِهِ، وقِصَّةُ سُلَيْمانَ وخَبَرِهِ مَعَ مَلِكَةِ سَبَإٍ وفِتْنَتِهِ، وقِصَّةُ القَوْمِ الَّذِينَ خَرَجُوا فِرارًا مِنَ الطّاعُونِ فَأماتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أحْياهم، وقِصَّةُ إبْراهِيمَ في مُجادَلَتِهِ قَوْمَهُ، ومُناظَرَتِهِ النُّمْرُوذَ، ووَضْعِهِ إسْماعِيلَ مَعَ أُمِّهِ بِمَكَّةَ، وبِنائِهِ البَيْتَ، وقِصَّةُ الذَّبِيحِ، وقِصَّةُ يُوسُفَ وما أبْسَطَها، وقِصَّةُ مَرْيَمَ ووِلادَتِها عِيسى وإرْسالِهِ ورَفْعِهِ، وقِصَّةُ زَكَرِيّا وابْنِهِ يَحْيى، وأيُّوبَ وذِي الكِفْلِ، وقِصَّةُ ذِي القَرْنَيْنِ ومَسِيرِهِ إلى مَطْلَعِ الشَّمْسِ ومَغْرِبِها وبِنائِهِ السَّدَّ، وقِصَّةُ أصْحابِ الكَهْفِ والرَّقِيمِ، وقِصَّةُ بُخْتُنَصَّرَ، وقِصَّةُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لِأحَدِهِما الجَنَّةُ، وقِصَّةُ أصْحابِ الجَنَّةِ الَّذِينَ أقْسَمُوا لِيُصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ، وقِصَّةُ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، وقِصَّةُ أصْحابِ الفِيلِ، وقِصَّةُ الجَبّارِ الَّذِي أرادَ أنْ يَصْعَدَ إلى السَّماءِ.
وَفِيهِ مِن شَأْنِ النَّبِيِّ ﷺ دَعْوَةُ إبْراهِيمَ بِهِ، وبِشارَةُ عِيسى وبَعْثُهُ وهِجْرَتُهُ. ومِن غَزَواتِهِ: غَزْوَةُ بَدْرٍ في (سُورَةِ الأنْفالِ)، وأُحُدٍ في (آلِ عِمْرانَ)، وبَدْرٍ الصُّغْرى فِيها، والخَنْدَقُ في (الأحْزابِ)، والنَّضِيرِ في (الحَشْرِ)، والحُدَيْبِيَةِ في (الفَتْحِ)، وتَبُوكَ في (p-٤٣٤)(بَراءَةَ)، وحَجَّةُ الوَداعِ في (المائِدَةِ)، ونِكاحُهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وتَحْرِيمُ سِرِّيَّتِهِ، وتَظاهُرُ أزْواجِهِ عَلَيْهِ، وقِصَّةُ الإفْكِ، وقِصَّةُ الإسْراءِ، وانْشِقاقُ القَمَرِ، وسِحْرُ اليَهُودِ إيّاهُ.
وَفِيهِ بَدْءُ خَلْقِ الإنْسانِ إلى مَوْتِهِ، وكَيْفِيَّةُ المَوْتِ، وقَبْضُ الرُّوحِ وما يُفْعَلُ بِها بَعْدَ صُعُودِها إلى السَّماءِ، وفَتْحُ البابِ لِلْمُؤْمِنَةِ وإلْقاءُ الكافِرَةِ، وعَذابُ القَبْرِ والسُّؤالُ فِيهِ، ومَقَرُّ الأرْواحِ، وأشْراطُ السّاعَةِ الكُبْرى العَشْرَةُ، وهي:
نُزُولُ عِيسى، وخُرُوجُ الدَّجّالِ، ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، والدّابَّةُ، والدُّخانُ، ورَفْعُ القُرْآنِ، وطُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وإغْلاقُ بابِ التَّوْبَةِ، والخَسْفُ.
وَأحْوالُ البَعْثِ: مِن نَفْخَةِ الصُّورِ، والفَزَعِ، والصَّعْقِ، والقِيامِ، والحَشْرِ والنَّشْرِ، وأهْوالِ المَوْقِفِ، وشِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ، وظِلِّ العَرْشِ، والصِّراطِ، والمِيزانِ، والحَوْضِ، والحِسابِ لِقَوْمٍ، ونَجاةِ آخَرِينَ مِنهُ، وشَهادَةِ الأعْضاءِ، وإيتاءِ الكُتُبِ بِالأيْمانِ والشَّمائِلِ وخَلْفَ الظُّهُورِ، والشَّفاعَةِ، والجَنَّةِ وأبْوابِها، وما فِيها مِنَ الأشْجارِ والثِّمارِ والأنْهارِ، والحُلِيِّ والألْوانِ، والدَّرَجاتِ، ورُؤْيَتِهِ تَعالى، والنّارِ وما فِيها مِنَ الأوْدِيَةِ، وأنْواعِ العُقابِ، وألْوانِ العَذابِ، والزَّقُّومِ والحَمِيمِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لَوْ بُسِطَ جاءَ في مُجَلَّداتٍ.
وَفِي القُرْآنِ جَمِيعُ أسْمائِهِ تَعالى الحُسْنى كَما ورَدَ في حَدِيثٍ. وفِيهِ مِن أسْمائِهِ مُطْلَقًا ألْفُ اسْمٍ، وفِيهِ مِن أسْماءِ النَّبِيِّ ﷺ جُمْلَةٌ.
وَفِيهِ شُعَبُ الإيمانِ البِضْعُ والسَّبْعُونَ.
وَفِيهِ شَرائِعُ الإسْلامِ الثَّلاثُمِائَةِ وخَمْسَ عَشْرَةَ.
وَفِيهِ أنْواعُ الكَبائِرِ وكَثِيرٌ مِنَ الصَّغائِرِ.
وَفِيهِ تَصْدِيقُ كُلِّ حَدِيثٍ ورَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ هَذِهِ جُمْلَةُ القَوْلِ في ذَلِكَ. اه كَلامُ السُّيُوطِيِّ في (الإكْلِيلِ) .
وَإنَّما أوْرَدْناهُ بِرُمَّتِهِ مَعَ طُولِهِ؛ لِما فِيهِ مِن إيضاحِ: أنَّ القُرْآنَ فِيهِ بَيانُ كُلِّ شَيْءٍ. وإنْ كانَتْ في الكَلامِ المَذْكُورِ أشْياءُ جَدِيرَةٌ بِالِانْتِقادِ تَرَكْنا مُناقَشَتَها خَوْفَ الإطالَةِ المُمِلَّةِ، مَعَ كَثْرَةِ الفائِدَةِ في الكَلامِ المَذْكُورِ في الجُمْلَةِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، وجْهانِ مِنَ الإعْرابِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ. والثّانِي: أنَّهُ مَصْدَرٌ مُنْكَرٌ واقِعٌ حالًا؛ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ (p-٤٣٥)
؎وَمَصْدَرٌ مُنْكَرٌ حالًا يَقَعْ بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةٍ زَيْدٌ طَلَعْ
تَنْبِيهٌ.
أظْهَرُ القَوْلَيْنِ: أنَّ التِّبْيانَ مَصْدَرٌ، ولَمْ يُسْمَعْ كَسْرُ تاءِ التِّفْعالِ مَصْدَرًا إلّا في التِّبْيانِ والتِّلْقاءِ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: التِّبْيانُ اسْمٌ لا مَصْدَرٌ. قالَ أبُو حَيّانَ في (البَحْرِ): والظّاهِرُ أنَّ ”تِبْيانًا“ مَصْدَرٌ جاءَ عَلى تِفْعالٍ، وإنْ كانَ بابُ المَصادِرِ يَجِيءُ عَلى تَفْعالٍ (بِالفَتْحِ) كالتَّرْدادِ والتَّطْوافِ. ونَظِيرُ تِبْيانٍ في كَسْرِ تائِهِ: تِلْقاءُ، وقَدْ جَوَّزَ الزَّجّاجُ فَتْحَهُ في غَيْرِ القُرْآنِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ”تِبْيانًا“ اسْمٌ ولَيْسَ بِمَصْدَرٍ؛ وهو قَوْلُ أكْثَرِ النُّحاةِ. ورَوى ثَعْلَبٌ عَنِ الكُوفِيِّينَ، والمُبَرِّدُ عَنِ البَصْرِيِّينَ: أنَّهُ مَصْدَرٌ، ولَمْ يَجِئْ عَلى تِفْعالٍ مِنَ المَصادِرِ إلّا ضَرْبانِ:
تِبْيانٌ وتِلْقاءٌ. اه والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُدًى ورَحْمَةً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ هَذا القُرْآنَ العَظِيمَ هُدًى ورَحْمَةٌ وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ، ويُفْهَمُ مِن دَلِيلِ خِطابِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ - أيْ: مَفْهُومِ مُخالَفَتِها -: أنَّ غَيْرَ المُسْلِمِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ. وهَذا المَفْهُومُ مِن هَذِهِ الآيَةِ صَرَّحَ بِهِ - جَلَّ وعَلا - في مَواضِعَ أُخَرَ؛
• كَقَوْلِهِ: قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وقْرٌ وهو عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت: ٤٤]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هو شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إلّا خَسارًا﴾ [الإسراء: ٨٢]،
• وقَوْلِهِ - جَلَّ وعَلا -: ﴿وَإذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنهم مَن يَقُولُ أيُّكم زادَتْهُ هَذِهِ إيمانًا فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهم إيمانًا وهم يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ﴿وَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ وماتُوا وهم كافِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنهم ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيانًا وكُفْرًا﴾ [المائدة: ٦٤]،
في المَوْضِعَيْنِ.
{"ayah":"وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق