الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾، اعْلَمْ أوَّلًا أنَّ ”صَدَّ“ تُسْتَعْمَلُ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ اسْتِعْمالَيْنِ أحَدُهُما: أنْ تُسْتَعْمَلَ مُتَعَدِّيَةً إلى المَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . . . الآيَةَ [الفتح: ٢٥]، ومُضارِعُ هَذِهِ المُتَعَدِّيَةِ ”يَصُدُّ“ بِالضَّمِّ عَلى القِياسِ، ومَصْدَرُها ”الصَّدِّ“ عَلى القِياسِ أيْضًا. والثّانِي: أنْ تُسْتَعْمَلَ ”صَدَّ“ لازِمَةً غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ إلى المَفْعُولِ، ومَصْدَرُ هَذِهِ ”الصُّدُودُ“ عَلى القِياسِ، وفي مُضارِعِها الكَسْرُ عَلى القِياسِ، والضَّمُّ عَلى السَّماعِ؛ وعَلَيْهِما القِراءَتانِ السَّبْعِيَّتانِ في قَوْلِهِ: ﴿إذا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ﴾ (p-٤٢٦)[الزخرف: ٥٧]، بِالكَسْرِ والضَّمِّ. فَإذا عَرَفْتَ ذَلِكَ: فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٨٨]، مُحْتَمَلٌ؛ لِأنْ تَكُونَ ”صَدَّ“ مُتَعَدِّيَةً، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ؛ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ: ؎وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أجِزْ إنْ لَمْ يَضِرْ كَحَذْفِ ما سِيقَ جَوابًا أوْ حُصِرْ وَمُحْتَمَلٌ لِأنْ تَكُونَ ”صَدَّ“ لازِمَةً غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ إلى المَفْعُولِ، ولَكِنْ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ ثَلاثُ قَرائِنَ تَدُلُّ عَلى أنَّ ”صَدَّ“ مُتَعَدِّيَةٌ، والمَفْعُولَ مَحْذُوفٌ، أيْ: وصَدُّوا النّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. الأُولى: أنّا لَوْ قَدَّرْنا ”صَدَّ“ لازِمَةً، وأنَّ مَعْناها: صُدُودُهم في أنْفُسِهِمْ عَنِ الإسْلامِ؛ لَكانَ ذَلِكَ تِكْرارًا مِن غَيْرِ فائِدَةٍ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النحل: ٨٨]، بَلْ مَعْنى الآيَةِ: كَفَرُوا في أنْفُسِهِمْ، وصَدُّوا غَيْرَهم عَنِ الدِّينِ فَحَمَلُوهُ عَلى الكُفّارِ أيْضًا. القَرِينَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ﴾ [النحل: ٨٨]، فَإنَّ هَذِهِ الزِّيادَةَ مِنَ العَذابِ لِأجْلِ إضْلالِهِمْ غَيْرَهم. والعَذابُ المَزِيدُ فَوْقَهُ: هو عَذابُهم عَلى كُفْرِهِمْ في أنْفُسِهِمْ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ في المُضِلِّينَ الَّذِينَ أضَلُّوا غَيْرَهم: ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ . . . الآيَةَ [النحل: ٢٥]، وقَوْلُهُ: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ . . . الآيَةَ [العنكبوت: ١٣]، كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ. القَرِينَةُ الثّالِثَةُ، قَوْلُهُ: ﴿بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨]، فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا يُفْسِدُونَ عَلى غَيْرِهِمْ مَعَ ضَلالِهِمْ في أنْفُسِهِمْ، وقَوْلِهِ: ﴿فَوْقَ العَذابِ﴾ [النحل: ٨٨]، أيْ: الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بِضَلالِهِمْ وكُفْرِهِمْ. وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أنَّ هَذا العَذابَ المَزِيدَ: عَقارِبُ أنْيابُها كالنَّخْلِ الطِّوالِ، وحَيّاتٌ مِثْلُ أعْناقِ الإبِلِ، وأفاعِي كَأنَّها البَخاتِيُّ تَضْرِبُهم. أعاذَنا اللَّهُ وإخْوانَنا المُسْلِمِينَ مِنها. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب