الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا اللَّهُ إنَّ في ذَلِكَ لِآياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ تَسْخِيرَهُ الطَّيْرَ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُها إلّا هو، مِن آياتِهِ الدّالَّةِ عَلى قُدْرَتِهِ، واسْتِحْقاقِهِ لِأنْ يُعْبَدَ وحْدَهُ. وأوْضَحَ هَذا المَعْنى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ فَوْقَهم صافّاتٍ ويَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمَنُ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [الملك: ١٩] . تَنْبِيهٌ. لَمْ يَذْكُرْ عُلَماءُ العَرَبِيَّةِ الفِعْلَ (بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ) مِن صِيَغِ جُمُوعِ التَّكْسِيرِ. قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنِ اسْتِقْراءِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ: أنَّ الفِعْلَ (بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ) جَمْعُ تَكْسِيرٍ لِفاعِلٍ وصْفًا لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ في اللُّغَةِ جَمْعًا لَهُ؛ كَقَوْلِهِ هُنا: ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ﴾ [النحل: ٧٩]، فالطَّيْرُ جَمْعُ طائِرٍ، وكالصَّحْبِ فَإنَّهُ جَمْعُ صاحِبٍ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎وُقُوفًا بِها صَحْبِي عَلى مَطِيُّهم يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أسًى وتَجَمَّلِ فَقَوْلُهُ ”صَحْبِي“، أيْ: أصْحابِي. وكالرَّكْبِ فَإنَّهُ جَمْعُ راكِبٍ؛ قالَ تَعالى: ﴿والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٢]، وقالَ ذُو الرُّمَّةِ: ؎أسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ عَنْ أشْياعِهِمْ خَبَرا ∗∗∗ أمْ راجَعَ القَلْبَ مَن أطْرابِهِ طَرَبُ فالرَّكْبُ جَمْعُ راكِبٍ. وقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ضَمِيرَ الجَماعَةِ في قَوْلِهِ: ”عَنْ أشْياعِهِمْ“، (p-٤٢٠)وَكالشُّرْبِ فَإنَّهُ جَمْعُ شارِبٍ. ومِنهُ قَوْلُ نابِغَةَ ذُبْيانَ: ؎كَأنَّهُ خارِجًا مِن جَنْبِ صَفْحَتِهِ ∗∗∗ سَفُّودُ شُرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأدِ فَإنَّهُ رَدَّ عَلى الشُّرْبِ ضَمِيرَ الجَماعَةِ في قَوْلِهِ: ”نَسُوهُ. .“ إلَخْ، وكالسَّفَرِ فَإنَّهُ جَمْعُ سافِرٍ؛ ومِنهُ حَدِيثُ: «أتِمُّوا فَإنّا قَوْمٌ سَفَرٌ»، وقَوْلُ الشَّنْفَرى: ؎كَأنَّ وغاها حَجْرَتَيْهِ وجالَهُ ∗∗∗ أضامِيمُ مِن سَفَرِ القَبائِلِ نُزَّلُ وَكالرَّجُلِ جَمْعُ راجِلٍ؛ ومِنهُ قِراءَةُ الجُمْهُورِ: ﴿وَأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤]، بِسُكُونِ الجِيمِ. وأمّا عَلى قِراءَةِ حَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ بِكَسْرِ الجِيمِ، فالظّاهِرُ أنَّ كَسْرَةَ الجِيمِ إتْباعٌ لِكَسْرَةِ اللّامِ، فَمَعْناهُ مَعْنى قِراءَةِ الجُمْهُورِ. ونَحْوُ هَذا كَثِيرٌ جِدًّا في كَلامِ العَرَبِ، فَلا نُطِيلُ بِهِ الكَلامَ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب