الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي والقُرْآنَ العَظِيمَ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ أتى نَبِيَّهُ ﷺ سَبْعًا مِنَ المَثانِي والقُرْآنَ العَظِيمَ، ولَمْ يُبَيِّنْ هُنا المُرادَ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ: أنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ إنْ كانَ لَها بَيانٌ في كِتابِ اللَّهِ غَيْرُ وافٍ بِالمَقْصُودِ، أنَّنا نُتَمِّمُ ذَلِكَ البَيانَ مِنَ السُّنَّةِ، فَنُبَيِّنُ الكِتابَ بِالسُّنَّةِ مِن حَيْثُ إنَّها بَيانٌ لِلْقُرْآنِ المُبِينِ بِاسْمِ الفاعِلِ. فَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ؛ فاعْلَمْ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أنَّ المُرادَ بِالسَّبْعِ المَثانِي والقُرْآنِ العَظِيمِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: هو فاتِحَةُ الكِتابِ. فَفاتِحَةُ الكِتابِ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرادِ بِالسَّبْعِ المَثانِي والقُرْآنِ العَظِيمِ، وإنَّما بَيَّنْتُ ذَلِكَ (p-٣١٥)بِإيضاحِ النَّبِيِّ ﷺ لِذَلِكَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ. قالَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عاصِمٍ، «عَنْ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى، قالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ وأنا أُصَلِّي، فَدَعانِي فَلَمْ آتِهِ حَتّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أتَيْتُ فَقالَ: ”ما مَنَعَكَ أنْ تَأْتِيَنِي ؟“ فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي. فَقالَ: ”ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٢٤]، ثُمَّ قالَ: ألا أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ لِيَخْرُجَ، فَذَكَّرْتُهُ، فَقالَ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ“» . حَدَّثَنا آدَمُ، حَدَّثَنا ابْنُ أبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”أُمُّ القُرْآنِ هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ“ .» فَهَذا نَصٌّ صَحِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ المُرادَ بِالسَّبْعِ المَثانِي والقُرْآنِ العَظِيمِ: فاتِحَةُ الكِتابِ، وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ قَوْلَ مَن قالَ: إنَّها السَّبْعُ الطِّوالُ، غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لا كَلامَ لِأحَدٍ مَعَهُ ﷺ ومِمّا يَدُلُّ عَلى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ القَوْلِ: أنَّ آيَةَ الحِجْرِ هَذِهِ مَكِّيَّةٌ، وأنَّ السَّبْعَ الطِّوالَ ما أُنْزِلَتْ إلّا بِالمَدِينَةِ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. وَقِيلَ لَها: ”مَثانِي“؛ لِأنَّها تُثَنّى قِراءَتُها في الصَّلاةِ. وَقِيلَ لَها: ”سَبْعٌ“؛ لِأنَّها سَبْعُ آياتٍ. وَقِيلَ لَها: ”القُرْآنُ العَظِيمُ“؛ لِأنَّها هي أعْظَمُ سُورَةٍ؛ كَما ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ المَذْكُورِ آنِفًا. وَإنَّما عَطَفَ القُرْآنَ العَظِيمَ عَلى السَّبْعِ المَثانِي، مَعَ أنَّ المُرادَ بِهِما واحِدٌ وهو الفاتِحَةُ؛ لِما عُلِمَ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ: مِن أنَّ الشَّيْءَ الواحِدَ إذا ذُكِرَ بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ جازَ عَطْفُ إحْداهُما عَلى الأُخْرى، تَنْزِيلًا لِتَغايُرِ الصِّفاتِ مَنزِلَةَ تَغايُرِ الذَّواتِ. ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى﴾ ﴿والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ ﴿والَّذِي أخْرَجَ المَرْعى﴾ [الأعلى: ٤]، وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إلى المَلِكِ القِرْمِ وابْنِ الهُمامِ ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحِمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب