الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ .
بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ فِيما أوْقَعَ مِنَ النَّكالِ بِقَوْمِ لُوطٍ آياتٍ لِلْمُتَأمِّلِينَ في ذَلِكَ، تَحْصُلُ لَهم بِها المَوْعِظَةُ والِاعْتِبارُ والخَوْفُ مِن مَعْصِيَةِ اللَّهِ أنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ العَذابِ الَّذِي أنْزَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ لَمّا عَصَوْهُ وكَذَّبُوا رَسُولَهُ. وبَيَّنَ هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ
• كَقَوْلِهِ في العَنْكَبُوتِ: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥]
• وقَوْلِهِ في الذّارِياتِ: ﴿وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ العَذابَ الألِيمَ﴾ [الذاريات: ٣٧]
• وقَوْلِهِ هُنا: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر: ٧٥]
• وقَوْلِهِ في الشُّعَراءِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ الآيَةَ [الشعراء: ١٧٤]،
كَما صَرَّحَ بِمِثْلِ ذَلِكَ في إهْلاكِ قَوْمِ نُوحٍ وقَوْمِ هُودٍ وقَوْمِ صالِحٍ وقَوْمِ شُعَيْبٍ في الشُّعَراءِ وقَوْلُهُ: ﴿لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أصْلُ التَّوَسُّمِ تَفَعُّلٌ مِنَ الوَسْمِ، وهو العَلامَةُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِها عَلى مَطْلُوبِ غَيْرِها. يُقالُ: تَوَسَّمْتُ فِيهِ الخَيْرَ إذا رَأيْتُ مِيْسَمَهُ فِيهِ، أيْ عَلامَتَهُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ، ومِنهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَواحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في النَّبِيِّ ﷺ:
؎إنِّي تَوَسَّمْتُ فِيكَ الخَيْرَ أعْرِفُهُ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي ثابِتُ النَّظَرِ
وَقالَ الآخَرُ:
؎تَوَسَّمْتُهُ لَمّا رَأيْتُ مَهابَةً ∗∗∗ عَلَيْهِ وقُلْتُ المَرْءُ مِن آلِ هاشِمِ
هَذا أصْلُ التَّوَسُّمِ، ولِلْعُلَماءِ فِيهِ أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ يَرْجِعُ مَعْناها كُلُّها إلى شَيْءٍ واحِدٍ. (p-٢٨٧)فَعَنْ قَتادَةَ: لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيِ المُعْتَبِرِينَ، وعَنْ مُجاهِدٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيِ المُتَفَرِّسِينَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والضَّحّاكِ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيْ لِلنّاظِرِينَ، وعَنْ مالِكٍ عَنْ بَعْضِ أهْلِ المَدِينَةِ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيْ لِلْمُتَأمِّلِينَ.
وَلا يَخْفى أنَّ الِاعْتِبارَ والنَّظَرَ والتَّفَرُّسَ والتَّأمُّلَ مَعْناها واحِدٌ، وكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ ومُقاتِلٍ: لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيْ لِلْمُتَفَكِّرِينَ، وقَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أيْ لِلْمُتَبَصِّرِينَ، فَمَآلُ جَمِيعِ الأقْوالِ راجِعٌ إلى شَيْءٍ واحِدٍ وهو أنَّ ما وقَعَ لِقَوْمِ لُوطٍ فِيهِ مَوْعِظَةٌ وعِبْرَةٌ لِمَن نَظَرَ في ذَلِكَ وتَأمَّلَ فِيهِ حَقَّ التَّأمُّلِ، وإطْلاقُ التَّوَسُّمِ عَلى التَّأمُّلِ والنَّظَرِ والِاعْتِبارِ مَشْهُورٌ في كَلامِ العَرَبِ ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ::
؎وَفِيهِنَّ مَلْهى لِلصَّدِيقِ ومَنظَرٌ ∗∗∗ أنِيقٌ لَعِينِ النّاظِرِ المُتَوَسِّمِ
أيِ المُتَأمِّلِ في ذَلِكَ الحُسْنِ، وقَوْلُ طَرِيفِ بْنِ تَمِيمٍ العَنْبَرِيِّ:
؎أوْ كُلَّما ورَدَتْ عُكاظَ قَبِيلَةٌ ∗∗∗ بَعَثُوا إلَيَّ عَرِيفَهم يَتَوَسَّمُ
أيْ يَنْظُرُ ويَتَأمَّلُ. وقالَ صاحِبُ الدُّرِّ المَنثُورِ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر: ٧٥] قالَ: لِلنّاظِرِينَ.
وَأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾: قالَ لِلْمُعْتَبِرِينَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ قالَ: هُمُ المُتَفَرِّسُونَ. وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ: إنَّ في ذَلِكَ ﴿لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ قالَ: هُمُ المُتَفَرِّسُونَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ السُّنِّيِّ وأبُو نُعَيْمٍ مَعًا في الطِّبِّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والخَطِيبُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اتَّقُوا فِراسَةَ المُؤْمِنِ، فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ“ ثُمَّ قَرَأ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ قالَ: ”لِلْمُتَفَرِّسِينَ»“ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اتَّقُوا فِراسَةَ المُؤْمِنِ، فَإنَّ المُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «احْذَرُوا فِراسَةَ المُؤْمِنِ فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ويَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ» . وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ والبَزّارُ وابْنُ السُّنِّيِّ وأبُو نُعَيْمٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ لِلَّهِ عِبادًا يَعْرِفُونَ النّاسَ بِالتَّوَسُّمِ» . اهـ.
{"ayah":"إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُتَوَسِّمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق