الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ المُرْسَلُونَ﴾ ﴿قالَ إنَّكم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ . بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنْ لُوطًا - عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ - لَمّا جاءَهُ المَلائِكَةُ المُرْسَلُونَ لِإهْلاكِ قَوْمِهِ قالَ لَهم: ﴿إنَّكم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ . وصَرَّحَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ مَساءَةٌ بِمَجِيئِهِمْ، وأنَّهُ ضاقَ ذَرْعًا بِذَلِكَ، • كَقَوْلِهِ في هُودٍ: ﴿وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وقالَ هَذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] • وقَوْلِهِ في العَنْكَبُوتِ: ﴿وَلَمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [العنكبوت: ٣٣]، وذَكَرَ تَعالى في الذّارِياتِ أنَّ نَبِيَّهُ إبْراهِيمَ قالَ لَهم أيْضًا: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، كَما ذَكَرَ عَنْ لُوطٍ هُنا وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ [الذاريات: ٢٥] • وقَوْلِهِ ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ قِيلَ: مَعْناهُ أنَّهم غَيْرُ مَعْرُوفِينَ، والنَّكِرَةُ ضِدُّ المَعْرِفَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ رَآهم في صِفَةِ شَبابٍ حِسانِ الوُجُوهِ، فَخافَ أنْ يَفْعَلَ بِهِمْ قَوْمُهُ فاحِشَةَ اللِّواطِ فَقالَ: ﴿إنَّكم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ [الحجر: ٦٢] وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكَشّافِ: مُنْكَرُونَ أيْ تُنْكِرُكم نَفْسِي وتَفِرُّ مِنكم، فَأخافُ أنْ تَطْرُقُونِي بِشَرٍّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ ﴿وَأتَيْناكَ بِالحَقِّ﴾ الآيَةَ [الحجر: ٦٣ - ٦٤] ويَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ أنَّهُ بَيَّنَ في هُودٍ أنَّ سَبَبَ إنْكارِ إبْراهِيمَ لَهم عَدَمُ أكْلِهِمْ مِن لَحْمِ العِجْلِ الَّذِي قَدَّمَهُ إلَيْهِمْ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا رَأى أيْدِيَهم لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهم وأوْجَسَ مِنهم خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] لِأنَّ مَنِ اسْتَضافَ وامْتَنَعَ مِنَ الأكْلِ خِيفَ مِنهُ الشَّرُّ. وقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآياتِ: ﴿إنّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ [الحجر: ٥٩] قَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِإسْكانِ النُّونِ بَعْدَ المِيمِ المَضْمُومَةِ مُخَفَّفًا اسْمُ فاعِلِ أنْجى عَلى وزْنِ أفْعَلَ، وقَرَأهُ غَيْرُهُما مِنَ القُرّاءِ بِفَتْحِ النُّونِ وتَشْدِيدِ الجِيمِ اسْمُ فاعِلِ نُجِّيَ عَلى وزْنِ فُعِّلَ بِالتَّضْعِيفِ، والإنْجاءِ والتَّنْجِيَةِ مَعْناهُما واحِدٌ وقَوْلُهُ: ﴿قَدَّرْنا إنَّها لَمِنَ الغابِرِينَ﴾ [الحجر: ٦٠] قَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الدّالِ، وقَرَأهُ غَيْرُهُ بِتَشْدِيدِها وهُما لُغَتانِ مَعْناهُما واحِدٌ، وقَوْلُهُ: ﴿جاءَ آلَ لُوطٍ﴾ [الحجر: ٦١] قَرَأهُ قالُونُ والبَزِّيُّ وأبُو عَمْرٍو بِإسْقاطِ الهَمْزَةِ الأُولى وتَحْقِيقِ الثّانِيَةِ مَعَ (p-٢٨٦)القَصْرِ والمَدِّ، وقَرَأهُ ورْشٌ بِتَحْقِيقِ الأُولى وإبْدالِ الثّانِيَةِ ألِفًا مَعَ القَصْرِ والمَدِّ، وعَنْ ورْشٍ أيْضًا تَحْقِيقُ الأُولى وتَسْهِيلُ الثّانِيَةِ مَعَ القَصْرِ والتَّوَسُّطِ والمَدِّ، وقَرَأهُ قُنْبُلٌ مِثْلَ قِراءَةِ ورْشٍ إلّا أنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعَ التَّسْهِيلِ إلّا القَصْرُ، وقَرَأ الباقُونَ بِتَحْقِيقِ الهَمْزَتَيْنِ وكُلٌّ عَلى أصْلِهِ مِنَ المَدِّ، وما ذُكِرَ مِن قِراءَةِ ورْشٍ وقُنْبُلٍ هو التَّحْقِيقُ عَنْهُما وإنْ قِيلَ غَيْرُهُ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب