الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ أبَشَّرْتُمُونِي عَلى أنْ مَسَّنِيَ الكِبَرُ﴾ .
بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ نَبِيَّهُ إبْراهِيمَ قالَ: إنَّهُ وقْتَ البُشْرى بِإسْحاقَ مَسَّهُ الكِبَرُ. وصَرَّحَ في هُودٍ بِأنَّ امْرَأتَهُ أيْضًا قالَتْ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ في قَوْلِهِ عَنْها: ﴿وَهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] كَما صَرَّحَ عَنْها هي أنَّها وقْتَ البُشْرى عَجُوزٌ كَبِيرَةُ السِّنِّ وذَلِكَ كَقَوْلِهِ في هُودٍ: ﴿ياوَيْلَتى أألِدُ وأنا عَجُوزٌ﴾ الآيَةَ [هود: ٧٢]، وقَوْلِهِ في الذّارِياتِ: ﴿فَصَكَّتْ وجْهَها وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: ٢٩] . وبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ نَبِيِّهِ إبْراهِيمَ أنَّهُ وقْتَ هِبَةِ اللَّهِ لَهُ ولَدَهُ إسْماعِيلَ أنَّهُ كَبِيرُ السِّنِّ أيْضًا، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلى الكِبَرِ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ إنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ [إبراهيم: ٣٩] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ .
الظّاهِرُ أنَّ اسْتِفْهامَ نَبِيِّ اللَّهِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ - لِلْمَلائِكَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ [الحجر: ٥٤] اسْتِفْهامُ تَعَجُّبٍ مِن كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ويَدُلُّ لِذَلِكَ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّ ما وقَعَ لَهُ وقَعَ نَظِيرُهُ لِامْرَأتِهِ حَيْثُ قالَتْ ﴿أألِدُ وأنا عَجُوزٌ﴾ وقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ ذَلِكَ الِاسْتِفْهامَ لِعَجَبِها مِن ذَلِكَ الأمْرِ الخارِقِ لِلْعادَةِ في قَوْلِهِ: ﴿قالُوا أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [هود: ٧٣] ويَدُلُّ لَهُ أيْضًا وُقُوعُ مِثْلِهِ مِن نَبِيِّ اللَّهِ زَكَرِيّا - عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ - لِأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران: ٣٨] .
(p-٢٨٢)وَقَوْلُهُ ﴿فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ وهو قائِمٌ يُصَلِّي في المِحْرابِ أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى﴾ [آل عمران: ٣٩] عَجِبَ مِن كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى فَقالَ: ﴿رَبِّ أنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وامْرَأتِي عاقِرٌ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ٤٠] وقَوْلُهُ ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ قَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وهي نُونُ الرَّفْعِ، وقَرَأهُ نافِعٌ بِكَسْرِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وهي نُونُ الوِقايَةِ مَعَ حَذْفِ ياءِ المُتَكَلِّمِ لِدَلالَةِ الكَسْرَةِ عَلَيْها، وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِالنُّونِ المَكْسُورَةِ المُشَدَّدَةِ مَعَ المَدِّ، فَعَلى قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ لَمْ يَحْذِفْ نُونَ الرَّفْعِ ولا المَفْعُولَ بِهِ، بَلْ نُونُ الرَّفْعِ مُدْغَمَةٌ في نُونِ الوِقايَةِ وياءُ المُتَكَلِّمِ هي المَفْعُولُ بِهِ، وعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ فَنُونُ الرَّفْعِ ثابِتَةٌ والمَفْعُولُ بِهِ مَحْذُوفٌ عَلى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مالِكٍ.
؎وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أجِزْ إنْ لَمْ يَضُرَّ كَحَذْفِ ما سِيقَ جَوابًا أوْ حُصِرَ
وَعَلى قِراءَةِ نافِعٍ فَنُونُ الرَّفْعِ مَحْذُوفَةٌ لِاسْتِثْقالِ اجْتِماعِها مَعَ نُونِ الوِقايَةِ.
* تَنْبِيهٌ
حَذْفُ نُونِ الرَّفْعِ لَهُ خَمْسُ حالاتٍ ثَلاثٌ مِنها يَجِبُ فِيها حَذْفُها، وواحِدَةٌ يَجُوزُ فِيها حَذْفُها وإثْباتُها، وواحِدَةٌ يُقْصَرُ فِيها حَذْفُها عَلى السَّماعِ، أمّا الثَّلاثُ الَّتِي يَجِبُ فِيها الحَذْفُ: فالأُولى مِنها إذا دَخَلَ عَلى الفِعْلِ عامِلُ جَزْمٍ، والثّانِيَةُ إذا دَخَلَ عَلَيْهِ عامِلُ نَصْبٍ، والثّالِثَةُ إذا أُكِّدَ الفِعْلُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ نَحْوَ لَتُبْلَوُنَّ، وأمّا الحالَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيها الإثْباتُ والحَذْفُ فَهي ما إذا اجْتَمَعَتْ مَعَ نُونِ الرَّفْعِ نُونُ الوِقايَةِ، لِكَوْنِ المَفْعُولِ ياءَ المُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ الحَذْفُ والإثْباتُ، ومِنَ الحَذْفِ قِراءَةُ نافِعٍ في هَذِهِ الآيَةِ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ بِالكَسْرِ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ أتُحاجُّونِّي في اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٨٠] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] بِكَسْرِ النُّونِ مَعَ التَّخْفِيفِ في الجَمْعِ أيْضًا وقَوْلُهُ ﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٦٤] بِالكَسْرِ مَعَ التَّخْفِيفِ أيْضًا، وكُلُّها قَرَأها بَعْضُ القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ لِإثْباتِ نُونِ الرَّفْعِ وإدْغامِها في نُونِ الوِقايَةِ، وأمّا الحالَةُ الخامِسَةُ المَقْصُورَةُ عَلى السَّماعِ فَهو حَذْفُها لِغَيْرِ واحِدٍ مِنَ الأسْبابِ الأرْبَعَةِ المَذْكُورَةِ، كَقَوْلِ الرّاجِزِ:
؎أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتُ تُدَلِّكِي ∗∗∗ وجْهَكِ بِالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكِيِّ
أمّا بَقاءُ نُونِ الرَّفْعِ مَعَ الجازِمِ في قَوْلِهِ: (p-٢٨٣)
؎لَوْلا فَوارِسُ مِن نُعْمٍ وأُسْرَتِهِمْ ∗∗∗ يَوْمَ الصُّلَيْفاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالجارِ
فَهُوَ نادِرٌ حَمْلًا لِلَمْ عَلى أُخْتِها لا النّافِيَةِ أوْ ما النّافِيَةِ، وقِيلَ هو لُغَةُ قَوْمٍ كَما صَرَّحَ بِهِ في التَّسْهِيلِ، وكَذَلِكَ بَقاءُ النُّونِ مَعَ حَرْفِ النَّصْبِ في قَوْلِهِ:
؎أنْ تَقْرَآنِ عَلى أسْماءَ ويْحَكُما ∗∗∗ مِنِّي السَّلامَ وألّا تُشْعِرا
أحَدًا فَهو لُغَةُ قَوْمٍ حَمَلُوا أنِ المَصْدَرِيَّةَ عَلى أُخْتِها ما المَصْدَرِيَّةِ في عَدَمِ النَّصْبِ بِها، كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎وَبَعْضُهم أهْمَلَ أنْ حَمْلًا عَلى ∗∗∗ ما أُخْتِها حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلًا
وَلا يُنافِي كَوْنُ اسْتِفْهامِ إبْراهِيمَ لِلتَّعَجُّبِ مِن كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ قَوْلَ المَلائِكَةِ لَهُ فِيما ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهم: ﴿قالُوا بَشَّرْناكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ القانِطِينَ﴾ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿قالَ ومَن يَقْنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلّا الضّالُّونَ﴾ [الحجر: ٥٦] . لِأنَّهُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ اسْتِفْهامَهُ لَيْسَ اسْتِفْهامَ مُنْكِرٍ ولا قانِطٍ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِی عَلَىٰۤ أَن مَّسَّنِیَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق