الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ الآيَةَ. ضَرَبَ اللَّهُ تَعالى لِأعْمالِ الكُفّارِ مَثَلًا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّياحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ، أيْ شَدِيدِ الرِّيحِ، فَإنَّ تِلْكَ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ العاصِفَةَ تُطَيِّرُ ذَلِكَ الرَّمادَ ولَمْ تُبْقِ لَهُ أثَرًا، فَكَذَلِكَ أعْمالُ الكُفّارِ كَصِلاتِ الأرْحامِ، وقِرى الضَّيْفِ، والتَّنْفِيسِ عَنِ المَكْرُوبِ، وبِرِّ الوالِدَيْنِ، ونَحْوِ ذَلِكَ يُبْطِلُها الكُفْرُ ويُذْهِبُها، كَما تُطَيِّرُ تِلْكَ الرِّيحُ ذَلِكَ الرَّمادَ. وضَرَبَ أمْثالًا أُخَرَ في آياتٍ أُخَرَ لِأعْمالِ الكُفّارِ بِهَذا المَعْنى، • كَقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: ٣٩]، • وقَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا (p-٢٤٦)أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ١١٧]، • وقَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى كالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ ولا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ الحِكْمَةَ في ضَرْبِهِ لِلْأمْثالِ أنْ يَتَفَكَّرَ النّاسُ فِيها فَيَفْهَمُوا الشَّيْءَ بِنَظْرَةٍ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: ٢١]، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: ٢٥]، وبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ الأمْثالَ لا يَعْقِلُها إلّا أهْلُ العِلْمِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]، وبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ المَثَلَ المَضْرُوبَ يَجْعَلُهُ اللَّهُ سَبَبَ هِدايَةٍ لِقَوْمٍ فَهِمُوهُ، وسَبَبَ ضَلالٍ لِقَوْمٍ لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَتَهُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦]، وبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّهُ تَعالى لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما ولَوْ كانَ المَثَلُ المَضْرُوبُ بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، قِيلَ: فَما هو أصْغَرُ مِنها؛ لِأنَّهُ يَفُوقُها في الصِّغَرِ، وقِيلَ: فَما فَوْقَها أيْ فَما هو أكْبَرُ مِنها، وهو قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾ [البقرة: ٢٦]، ولِذَلِكَ ضَرَبَ المَثَلَ بِالعَنْكَبُوتِ في قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وإنَّ أوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤١]، وضَرَبَهُ بِالحِمارِ في قَوْلِهِ: ﴿كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا﴾ الآيَةَ [الجمعة: ٥]، وضَرَبَهُ بِالكَلْبِ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ولَكِنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: ١٧٦]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب