الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ﴾ . سَواءٌ كانَتْ ما اسْتِفْهامِيَّةً فَهو اسْتِفْهامُ إنْكارٍ، أوْ كانَتْ نافِيَةً فَإنَّهُ نَصَّ عَلى أنَّ مالَهُ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَما كَسَبَ﴾ . فَقِيلَ: أيْ مِنَ المالِ الأوَّلِ ما ورِثَهُ أوْ ما كَسَبَ مِن عَمَلٍ جَرَّ عَلَيْهِ هَذا الهَلاكَ، وهو عَداؤُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وَنَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ: ﴿وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١] . (p-١٤٥)وَتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ هُناكَ. وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ بَيانُ مَعْنى ﴿ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ﴾، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن ورائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهم ما كَسَبُوا شَيْئًا ولا ما اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [الجاثية: ١٠] . وَساقَ كُلَّ النُّصُوصِ في هَذا المَعْنى بِتَمامِها. * تَنْبِيهٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ سُؤالانِ هُما: أوَّلًا: لَقَدْ كانَ ﷺ مَعَ قَوْمِهِ في مَكَّةَ مُلاطِفًا حَلِيمًا، فَكَيْفَ جابَهَ عَمَّهُ بِهَذا الدُّعاءِ: ﴿تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ﴾ ؟ والجَوابُ: أنَّهُ كانَ يُلاطِفُهم ما دامَ يَطْمَعُ في إسْلامِهِمْ، فَلَمّا يَئِسَ مِن ذَلِكَ، كانَ هَذا الدُّعاءُ في مَحَلِّهِ، كَما وقَعَ مِن إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، كانَ يُلاطِفُ أباهُ: ﴿ياأبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ﴾ [مريم: ٤٤] . ﴿ياأبَتِ إنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ العِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فاتَّبِعْنِي أهْدِكَ صِراطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣]، فَلَمّا يَئِسَ مِنهُ تَبَرَّأ مِنهُ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنهُ إنَّ إبْراهِيمَ لَأوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] . والسُّؤالُ الثّانِي: وهو مَجِيءُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَتَبَّ﴾، بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ﴾، مَعَ أنَّها كافِيَةٌ سَواءٌ كانَتْ إنْشاءً لِلدُّعاءِ عَلَيْهِ أوْ إخْبارًا بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنهُ. والجَوابُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ: أنَّ الأوَّلَ لَمّا كانَ مُحْتَمِلًا الخَبَرَ، وقَدْ يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ، أوْ إنْشاءً وقَدْ لا يُنَفَّذُ كَقَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧]، أوْ يَحْمِلُ عَلى الذَّمِّ فَقَطْ، والتَّقْبِيحِ فَجاءَ ”وَتَبَّ“ لِبَيانِ أنَّهُ واقِعٌ بِهِ لا مَحالَةَ، وأنَّهُ مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِماتُ رَبِّكَ لِيَيْأسَ ﷺ، والمُسْلِمُونَ مِن إسْلامِهِ. وتَنْقَطِعُ المُلاطَفَةُ مَعَهُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وَقَدْ وقْعَ ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، فَهو مِن إعْجازِ القُرْآنِ أنْ وقَعَ ما أخْبَرَ بِهِ كَما أخْبَرَ ولَمْ يَتَخَلَّفْ. ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥]، وقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ فَسَقُوا أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ٣٣] . (p-١٤٦)نَسْألُ اللَّهَ العافِيَةَ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب