الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ إنَّنِي لَكم مِنهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ﴾، هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِيها الدَّلالَةُ الواضِحَةُ عَلى أنَّ الحِكْمَةَ العُظْمى الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ مِن أجْلِها: هي أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا وحْدَهُ، ولا يُشْرَكَ بِهِ في عِبادَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وعَلا: ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ﴿ألّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ الآيَةَ [هود: ١، ٢] صَرِيحٌ في أنَّ (p-١٦٩)آياتِ هَذا الكِتابِ فُصِّلَتْ مِن عِنْدِ الحَكِيمِ الخَبِيرِ لِأجْلِ أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وحْدَهُ، سَواءٌ قُلْنا إنَّ ”أنْ“ هي المُفَسِّرَةُ، أوْ أنَّ المَصْدَرَ المُنْسَبِكَ مِنها ومِن صِلَتِها مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ؛ لِأنَّ ضابِطَ ”أنْ“ المُفَسِّرَةَ أنْ يَكُونَ ما قَبْلَها مُتَضَمِّنًا مَعْنى القَوْلِ، ولا يَكُونُ فِيهِ حُرُوفُ القَوْلِ. وَوَجْهُهُ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١]، فِيهِ مَعْنى قَوْلِ اللَّهِ تَعالى لِذَلِكَ الإحْكامِ والتَّفْصِيلِ دُونَ حُرُوفِ القَوْلِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ هو: ﴿ألّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ . وَأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ المَصْدَرَ المُنْسَبِكَ مِن ”أنْ“ وصِلَتِها مَفْعُولٌ لَهُ، فالأمْرُ واضِحٌ، فَمَعْنى الآيَةِ: أنَّ حاصِل تَفْصِيلِ القُرْآنِ هو أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ تَعالى وحْدَهُ ولا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، ونَظِيرُ هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الأنْبِياءِ: ﴿قُلْ إنَّما يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٨]، ومَعْلُومٌ أنَّ لَفْظَةَ ”إنَّما“ مِن صِيَغِ الحَصْرِ، فَكَأنَّ جَمِيعَ ما أُوحِيَ إلَيْهِ مُنْحَصِرٌ في مَعْنى ”لا إلَهَ إلّا اللَّهُ“ وقَدْ ذَكَرْنا في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“ أنَّ حَصْرَ الوَحْيِ في آيَةِ الأنْبِياءِ هَذِهِ في تَوْحِيدِ العِبادَةِ حَصْرٌ لَهُ في أصْلِهِ الأعْظَمِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ جَمِيعُ الفُرُوعِ؛ لِأنَّ شَرائِعَ الأنْبِياءِ كُلِّهِمْ داخِلَةٌ في ضِمْنِ مَعْنى ”لا إلَهَ إلّا اللَّهُ“ لِأنَّ مَعْناها خَلْعُ جَمِيعِ المَعْبُوداتِ غَيْرِ اللَّهِ جَلَّ وعَلا في جَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ، وإفْرادِهِ جَلَّ وعَلا وحْدَهُ بِجَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ، فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ جَمِيعُ الأوامِرِ والنَّواهِي القَوْلِيَّةِ، والفِعْلِيَّةِ، والِاعْتِقادِيَّةِ. والآياتُ الدّالَّةُ عَلى أنَّ إرْسالَ الرُّسُلِ، وإنْزالَ الكُتُبِ لِأجْلِ أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وحْدَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، • كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا أجَعَلْنا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَقَدْ أشَرْنا إلى هَذا البَحْثِ في ”سُورَةِ الفاتِحَةِ“ وسَنَسْتَقْصِي الكَلامَ عَلَيْهِ - إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى - في ”سُورَةِ النّاسِ“ لِتَكُونَ خاتِمَةَ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ حُسْنى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب