الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها وهم فِيها لا يُبْخَسُونَ﴾ . صَرَّحَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ مَن عَمِلَ عَمَلًا يُرِيدُ بِهِ الحَياةَ الدُّنْيا أعْطاهُ جَزاءَ عَمَلِهِ في الدُّنْيا، ولَيْسَ لَهُ في الآخِرَةِ إلّا النّارُ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الشُّورى: ﴿وَمَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها وما لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠]، ولَكِنَّهُ تَعالى يُبَيِّنُ في ”سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ“ تَعْلِيقَ ذَلِكَ عَلى مَشِيئَتِهِ جَلَّ وعَلا بِقَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَن نُرِيدُ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ١٨]، وقَدْ أوْضَحْنا هَذِهِ المَسْألَةَ غايَةَ الإيضاحِ في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“ في الكَلامِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، ولِذَلِكَ اخْتَصَرْناها هُنا. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): (p-٣٠١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ هُودٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها وهم فِيها لا يُبْخَسُونَ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِيها التَّصْرِيحُ بِأنَّ الكافِرَ يُجازى بِحَسَناتِهِ كالصَّدَقَةِ وصِلَةِ الرَّحِمِ وقِرى الضَّيْفِ والتَّنْفِيسِ عَنِ المَكْرُوبِ في الدُّنْيا دُونَ الآخِرَةِ، لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها﴾ يَعْنِي الحَياةَ الدُّنْيا؛ ثُمَّ نَصَّ عَلى بُطْلانِها في الآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها﴾ الآيَةَ [هود: ١٦] . وَنَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ومَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها﴾ الآيَةَ [الشورى: ٢٠]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النّارِ أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكم في حَياتِكُمُ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ [الأحقاف: ٢٠] . وَعَلى ما قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وقَوْلُهُ: ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ [النور: ٣٩]، عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣]، عَلى أحَدِ الأقْوالِ الماضِيَةِ في سُورَةِ ”الأنْفالِ“ وقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ «أنَّ الكافِرَ يُجازى بِحَسَناتِهِ في الدُّنْيا» مَعَ أنَّهُ جاءَتْ آياتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلى بُطْلانِ عَمَلِ الكافِرِ واضْمِحْلالِهِ مِن أصْلِهِ، وفي بَعْضِها التَّصْرِيحُ بِبُطْلانِهِ في الدُّنْيا مَعَ الآخِرَةِ في كُفْرِ الرِّدَّةِ وفي غَيْرِهِ. أمّا الآياتُ الدّالَّةُ عَلى بُطْلانِهِ مِن أصْلِهِ فَكَقَوْلِهِ: ﴿أعْمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨]، وكَقَوْلِهِ: ﴿أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾ الآيَةَ [النور: ٣٩]، وقَوْلِهِ: ﴿وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣] . وَأمّا الآياتُ الدّالَّةُ عَلى بُطْلانِهِ في الدُّنْيا مَعَ الآخِرَةِ فَكَقَوْلِهِ في كُفْرِ المُرْتَدِّ: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكم عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وهو كافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعْمالُهم في الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ (p-٣٠٢)[البقرة: ٢١٧]، وكَقَوْلِهِ في كُفْرِ غَيْرِ المُرْتَدِّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ - إلى قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أعْمالُهم في الدُّنْيا والآخِرَةِ وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢]، وبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى في آياتٍ أُخَرَ أنَّ الإنْعامَ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا لَيْسَ لِلْإكْرامِ بَلْ لِلِاسْتِدْراجِ والإهْلاكِ. • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَأُمْلِي لَهم إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٢ - ١٨٣]، • وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّما نُمْلِي لَهم خَيْرٌ لِأنْفُسِهِمْ إنَّما نُمْلِي لَهم لِيَزْدادُوا إثْمًا ولَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: ١٧٨] • وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أخَذْناهم بَغْتَةً فَإذا هم مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أيَحْسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ وبَنِينَ﴾ ﴿نُسارِعُ لَهم في الخَيْراتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: - ٥٦]، • وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَن كانَ في الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [ ١٩ ]، • وقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ - إلى قَوْلِهِ - ﴿والآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٣ - ٣٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. والجَوابُ مِن أرْبَعَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: ويَظْهَرُ لِي صَوابُهُ لِدَلالَةِ ظاهِرِ القُرْآنِ عَلَيْهِ، أنَّ مِنَ الكُفّارِ مَن يُثِيبُهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ في الدُّنْيا كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ وصَحَّ بِهِ الحَدِيثُ، ومِنهم مَن لا يُثِيبُهُ في الدُّنْيا كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ أُخَرُ، وهَذا مُشاهَدٌ فِيهِمْ في الدُّنْيا. فَمِنهم مَن هو في عَيْشٍ رَغْدٍ، ومِنهم مَن هو في بُؤْسٍ وضِيقٍ. وَوَجْهُ دَلالَةِ القُرْآنِ عَلى هَذا أنَّهُ تَعالى أشارَ إلَيْهِ بِالتَّخْصِيصِ بِالمَشِيئَةِ في قَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَن نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨] . فَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ﴾ [هود: ١٥]، وعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها﴾ [الشورى: ٢٠] . وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأنَّها مُخَصِّصَةٌ لَهُما الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البارِي في كِتابِ الرِّقاقِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِ البُخارِيِّ: ”بابُ المُكْثِرُونَ هُمُ المُقِلُّونَ“، وقَوْلِهِ تَعالى: (p-٣٠٣)﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها﴾ الآيَتَيْنِ. وَيَدُلَّ لِهَذا التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ في بَعْضِ الكُفّارِ: ﴿خَسِرَ الدُّنْيا والآخِرَةَ ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ﴾ [الحج: ١١] . وَجُمْهُورُ العُلَماءِ عَلى حَمْلِ العامِّ عَلى الخاصِّ والمُطْلَقِ عَلى المُقَيَّدِ، كَما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ. الثّانِي: وهو وجِيهٌ أيْضًا، أنَّ الكافِرَ يُثابُ عَنْ عَمَلِهِ بِالصِّحَّةِ وسَعَةِ الرِّزْقِ والأوْلادِ ونَحْوِ ذَلِكَ كَما صَرَّحَ بِهِ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها﴾ يَعْنِي الدُّنْيا، وأكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَهم فِيها لا يُبْخَسُونَ﴾ وبِظاهِرِها المُتَبادِرِ مِنها كَما ذَكَرْنا. فَسَّرَها ابْنُ عَبّاسٍ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ، وعَلى هَذا فَبُطْلانُ أعْمالِهِمْ في الدُّنْيا بِمَعْنى أنَّها لَمْ يُعْتَدَّ بِها شَرْعًا في عِصْمَةِ دَمٍ ولا مِيراثٍ ولا نِكاحٍ ولا غَيْرِ ذَلِكَ، ولا تُفْتَحُ لَها أبْوابُ السَّماءِ، ولا تَصْعَدُ إلى اللَّهِ تَعالى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، ولا تُدَّخَرُ لَهم في الأعْمالِ النّافِعَةِ ولا تَكُونُ في كِتابِ الأبْرارِ في عِلِّيِّينَ، وكَفى بِهَذا بُطْلانًا. أمّا مُطْلَقُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِها فَهو عِنْدُ اللَّهِ كَلا شَيْءٍ، فَلا يُنافِي بُطْلانَها بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا مَتاعُ﴾ [آل عمران: ١٨٥] . وَقَوْلِهِ: ﴿وَما هَذِهِ الحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَهْوٌ ولَعِبٌ وإنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهي الحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤] . وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ - إلى قَوْلِهِ - لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٣٣ - ٣٥]، والآياتُ في مِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ. وَمِمّا يُوَضِّحُ هَذا المَعْنى حَدِيثُ: «لَوْ كانَتِ الدُّنْيا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سَقى مِنها كافِرًا شَرْبَةَ ماءٍ» . ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذا الحَدِيثَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً﴾ الآياتِ. (p-٣٠٤)ثُمَّ قالَ: أسْنَدَهُ البَغَوِيُّ مِن رِوايَةِ زَكَرِيّا بْنِ مَنظُورٍ عَنْ أبِي حازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ. وَرَواهُ الطَّبَرانِيُّ مِن طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صالِحٍ عَنْ أبِي حازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْيا عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ ما أعْطى كافِرًا مِنها شَيْئًا» . قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: لا يَخْفى أنَّ مُرادَ الحافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِما ذَكَرْناهُ عَنْهُ أنَّ كِلْتا الطَّرِيقَتَيْنِ ضَعِيفَةٌ إلّا أنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما تَعْتَضِدُ بِالأُخْرى فَيَصْلُحُ المَجْمُوعُ لِلِاحْتِجاجِ كَما تَقَرَّرَ في عِلْمِ الحَدِيثِ مِن أنَّ الطُّرُقَ الضَّعِيفَةَ المُعْتَبَرَ بِها يَشُدُّ بَعْضُها بَعْضًا فَتَصْلُحُ لِلِاحْتِجاجِ. ؎لا تُخاصِمْ بِواحِدٍ أهْلَ بَيْتٍ فَضَعِيفانِ يَغْلِبانِ قَوِيًّا لِأنَّ زَكَرِيّا بْنَ مَنظُورِ بْنِ ثَعْلَبَةَ القُرَظِيَّ وزَمَعَةَ بْنَ صالِحٍ الجَنَدِيَّ كِلاهُما ضَعِيفٌ، وإنَّما رَوى مُسْلِمٌ عَنْ زَمْعَةَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ لا مُسْتَقِلًّا بِالرِّوايَةِ كَما بَيَّنَهُ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في التَّقْرِيبِ. الثّالِثُ: أنَّ مَعْنى ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ﴾ أيْ نُعْطِيهِمُ الغَرَضَ الَّذِي عَمِلُوا مِن أجْلِهِ في الدُّنْيا، كالَّذِي قاتَلَ لِيُقالَ جَرِيءٌ، والَّذِي قَرَأ لِيُقالَ قارِئٌ، والَّذِي تَصَدَّقَ لِيُقالَ جَوّادٌ، فَقَدْ قِيلَ لَهم ذَلِكَ، وهو المُرادُ بِتَوْفِيَتِهِمْ أعْمالَهم عَلى هَذا الوَجْهِ. وَيَدُلُّ لَهُ الحَدِيثُ الَّذِي رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا في المُجاهِدِ والقارِئِ والمُتَصَدِّقِ أنَّهُ يُقالُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهم: إنَّما عَمِلْتَ لِيُقالَ، فَقَدْ قِيلَ، أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وأصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَما قالَهُ ابْنُ حَجَرٍ ورَواهُ أيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ، وقَدِ اسْتَشْهَدَ مُعاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصِحَّةِ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها﴾ وهو تَفْسِيرٌ مِنهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِهَذِهِ الآيَةِ بِما يَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ الثّالِثِ. الرّابِعُ: أنَّ المُرادَ بِالآيَةِ المُنافِقُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهادِ لا يُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ، وإنَّما يُرِيدُونَ الغَنائِمَ فَإنَّهم يُقْسَمُ لَهم فِيها في الدُّنْيا ولا حَظَّ لَهم مِن جِهادِهِمْ في الآخِرَةِ، والقَسْمُ لَهم مِنها هو تَوْفِيَتُهم أعْمالَهم عَلى هَذا القَوْلِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب