الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ ﴿وَلا أنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ . قِيلَ: تَكْرارٌ في العِباراتِ لِلتَّوْكِيدِ، كَتَكْرارِ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ١٥]، وتَكْرارِ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ [الرحمن: ١٣] .
وَنَظِيرُهُ في الشِّعْرِ أكْثَرُ مِن أنْ يُحْصَرَ، مِن ذَلِكَ ما أوْرَدَهُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:(p-١٣٣)
؎هَلّا سَألْتَ جُمُوعَ كِنْدَةَ يَوْمَ ولَّوْ أيْنَ أيْنا
وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎يا عَلْقَمَةُ يا عَلْقَمَةُ يا عَلْقَمَهْ ∗∗∗ خَيْرَ تَمِيمٍ كُلِّها وأكْرَمَهْ
وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎يا أقْرَعُ بْنَ حابِسٍ يا أقْرَعُ ∗∗∗ إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎ألا يا سَلْمى ثُمَّ اسْلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ∗∗∗ ثَلاثُ تَحِيّاتٍ وإنْ لَمْ تَكَلَّم
وَقَدْ جاءَتْ في أبْياتٍ لِبَعْضِ تَلامِيذِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى، ضِمْنَ مُساجَلَةٍ لَهُ مَعَهُ قالَ فِيها:
؎تاللَّهِ إنَّكَ قَدْ مَلَأْتَ مَسامِعِي ∗∗∗ دُرًّا عَلَيْهِ قَدِ انْطَوَتْ أحْشائِي
؎زِدْنِي وزِدْنِي ثُمَّ زِدْنِي ولْتَكُنْ ∗∗∗ مِنكَ الزِّيادَةُ شافِيًا لِلدّاء
فَكَرَّرَ قَوْلَهُ: زِدْنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ
وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ تَكْرارٌ، عَلى أنَّ الجُمْلَةَ الأُولى عَنِ الماضِي والثّانِيَةَ مِنَ المُسْتَقْبَلِ.
وَقِيلَ: الأُولى عَنِ العِبادَةِ، والثّانِيَةُ عَنِ المَعْبُودِ.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، عَلى ما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.
والسُّورَةُ في الجُمْلَةِ نَصٌّ عَلى أنَّهُ ﷺ لا يَعْبُدُ مَعْبُودَهم، ولا هم عابِدُونَ مَعْبُودَهُ، وقَدْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقُلْ لِي عَمَلِي ولَكم عَمَلُكم أنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أعْمَلُ وأنا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ الكَلامُ عَلى هَذا المَعْنى، عِنْدَ آيَةِ يُونُسَ تِلْكَ، وذَكَرَ هَذِهِ السُّورَةَ هُناكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ أيْضًا في دَفْعِ إيهامِ الِاضْطِرابِ جَوابًا عَلى إشْكالٍ في السُّورَةِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾، نَفْيٌ لِعِبادَةِ كُلٍّ مِنهُما مَعْبُودَ (p-١٣٤)الآخَرِ مُطْلَقًا، مَعَ أنَّهُ قَدْ آمَنَ بَعْضُهم فِيما بَعْدُ وعَبَدَ ما يَعْبُدُهُ ﷺ، وأجابَ عَنْ ذَلِكَ بِأحَدِ أمْرَيْنِ: مُوجَزُهُما أنَّها مِن جِنْسِ الكُفّارِ، وإنْ أسْلَمُوا فِيما بَعْدُ فَهو خِطابٌ لَهم ما دامُوا كُفّارًا إلى آخِرِهِ، أوْ أنَّها مِنَ العامِّ المَخْصُوصِ، فَتَكُونُ في خُصُوصِ مَن حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِماتُ رَبِّكَ. ا هـ. مُلَخَّصًا.
وَقَدْ ذَكَرَ أبُو حَيّانَ وجْهًا عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ: أنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالكُفّارِ خاصٌّ بِالحاضِرِ؛ لِأنَّ ما إذا دَخَلَتْ عَلى اسْمِ الفاعِلِ تُعَيِّنُهُ لِلْحاضِرِ.
وَناقَشَهُ أبُو حَيّانَ، بِأنَّ ذَلِكَ في مُغالِبٍ لا عَلى سَبِيلِ القَطْعِ.
والَّذِي يَظْهَرُ مِن سِياقِ السُّورَةِ قَدْ يَشْهَدُ لِما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وهو أنَّ السُّورَةَ تَتَكَلَّمُ عَنِ الجانِبَيْنِ عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ جِهَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وجِهَةُ الكُفّارِ في عَدَمِ عِبادَةِ كُلٍّ مِنهُما مَعْبُودَ الآخَرِ.
وَلَكِنَّها لَمْ تُساوِ في اللَّفْظِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَمِن جِهَةِ الرَّسُولِ ﷺ جاءَ في الجُمْلَةِ الأُولى: ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ عَبَّرَ عَنْ كُلٍّ مِنهُما بِالفِعْلِ المُضارِعِ الدّالِّ عَلى الحالِ أيْ: لا أعْبُدُ الآنَ ما تَعْبُدُونَ الآنَ بِالفِعْلِ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ فَعَبَّرَ عَنْهم بِالِاسْمِيَّةِ وعَنْهُ هو بِالفِعْلِيَّةِ، أيْ: ولا أنْتُمْ مُتَّصِفُونَ بِعِبادَةِ ما أعْبُدُ الآنَ.
وَفِي الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ قالَ: ﴿وَلا أنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ . فَعَبَّرَ عَنْهُ بِأنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِعِبادَةِ ما يَعْبُدُونَ ولا هم عابِدُونَ ما يَعْبُدُ، فَكانَ وصْفُهُ هو ﷺ في الجُمْلَتَيْنِ بِوَصْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ تارَةً وبِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تارَةً أُخْرى، فَكانَتْ إحْداهُما لِنَفْيِ الوَصْفِ الثّابِتِ، والأُخْرى لِنَفْيِ حُدُوثِهِ فِيما بَعْدُ.
أمّا هم فَلَمْ يُوصَفُوا في الجُمْلَتَيْنِ إلّا بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى الوَصْفِ الثّابِتِ، أيْ في الماضِي إلى الحاضِرِ، ولَمْ يَكُنْ فِيما وُصِفُوا بِهِ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مِن خَصائِصِها التَّجَدُّدُ والحُدُوثُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيها ما يَتَعَرَّضُ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَلَمْ يَكُنْ إشْكالٌ، واللَّهَ تَعالى أعْلَمُ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ الوَصْفَ بِاسْمِ الفاعِلِ يَحْتَمِلُ الحالَ والِاسْتِقْبالَ، فَيَبْقى الإشْكالُ مُحْتَمَلًا.
قِيلَ: ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنَّ دُخُولَ ما عَلَيْهِ تُعَيِّنُهُ لِلْحالِ، يَكْفِي في نَفْيِ هَذا الِاحْتِمالِ، فَإنْ قِيلَ: قَدْ ناقَشَهُ أبُو حَيّانَ.
وَقالَ: إنَّها أغْلَبِيَّةٌ ولَيْسَتْ قَطْعِيَّةً.
(p-١٣٥)قُلْنا: يَكْفِي في ذَلِكَ حُكْمُ الأغْلَبِ، وهو ما يُصَدِّقُهُ الواقِعُ، إذْ آمَنَ بَعْضُهم وعَبَدَ مَعْبُودَهُ ﷺ، وما في قَوْلِهِ: ﴿ما تَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾، واقِعَةٌ في الأُولى عَلى غَيْرِ ذِي عِلْمٍ، وهي أصْنامُهم وهو اسْتِعْمالُها الأساسِيُّ.
وَفِي الثّانِيَةِ: في حَقِّ اللَّهِ تَعالى وهو اسْتِعْمالُها في غَيْرِ اسْتِعْمالِها الأساسِيِّ، فَقِيلَ: مِن أجْلِ المُقابَلَةِ، وقَدِ اسْتُعْمِلَتْ فِيمَن يَعْلَمُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فانْكِحُوا ما طابَ لَكم مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٣]؛ لِأنَّهُنَّ في مَعْرِضِ الِاسْتِمْتاعِ بِهِنَّ، فَلِلْقَرِينَةِ جازَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إنَّها مَعَ ما قَبْلَها مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ: ما مَصْدَرِيَّةٌ بِمَعْنى عِبادَتِكُمُ الباطِلَةِ، ولا تَعْبُدُونَ عِباداتِي الصَّحِيحَةَ.
وَهَذا المَعْنى قَوِيٌّ، وإنْ تَعارَضَ مَعَ ما ذُكِرَ مِن سَبَبِ النُّزُولِ، إلّا أنَّ لَهُ شاهِدًا مِن نَفْسِ السُّورَةِ ويَتَضَمَّنُ المَعْنى الأوَّلِ، ودَلِيلُهُ مِنَ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعالى في آخِرِ السُّورَةِ: ﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦]، فَأحالَهم عَلى عِبادَتِهِمْ، ولَمْ يُحِلْهم عَلى مَعْبُودِهِمْ.
{"ayah":"لَاۤ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق