الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ . اخْتُلِفَ في المُصَلِّينَ الَّذِينَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمُ الوَعِيدُ بِالوَيْلِ هُنا. والجُمْهُورُ: عَلى أنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْهَوْنَ عَنْ أدائِها، ويَتَساهَلُونَ في أمْرِ المُحافَظَةِ عَلَيْها. وَقِيلَ: عَنِ الخُشُوعِ فِيها وتَدَبُّرِ مَعانِيَها. وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أنَّهُ الأوَّلُ. وَقَدْ جاءَ عَنْ عَطاءٍ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُما قالا: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قالَ عَنْ صَلاتِهِمْ، ولَمْ يَقُلْ في صَلاتِهِمْ، كَما أنَّ السَّهْوَ في الصَّلاةِ لَمْ يَسْلَمْ مِنهُ أحَدٌ، حَتّى أنَّهُ «وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لَمّا سَلَّمَ مِن رَكْعَتَيْنِ في الظُّهْرِ كَما هو مَعْلُومٌ مِن حَدِيثِ ذِي اليَدَيْنِ، وقالَ: ”إنِّي لا أنْسى، ولَكِنِّي أُنَسّى لِأسُنَّ»“ فَكَيْفَ يُنْسِيهِ اللَّهُ لِيَسُنَّ لِلنّاسِ أحْكامَ السَّهْوِ، ويَقَعُ النّاسُ في السَّهْوِ بِدُونِ عَمْدٍ مِنهم. وَقَدْ قالَ ﷺ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ، وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (p-١١٦) وَقَدْ عَقَدَ الفُقَهاءُ بابَ سُجُودِ السَّهْوِ تَصْحِيحًا لِذَلِكَ. لِذَلِكَ بَقِيَ مَنِ المُرادُ بِـ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ . قِيلَ: نَزَلَتْ في أشْخاصٍ بِأعْيانِهِمْ. وَقِيلَ: في كُلِّ مَن أخَّرَ الصَّلاةَ عَنْ أوَّلِ وقْتِها، أوْ عَنْ وقْتِها كُلِّهِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، أوْ عَنْ أدائِها في المَساجِدِ وفي الجَماعَةِ. وَقِيلَ: في المُنافِقِينَ. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): (p-٤٦٦)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الماعُونِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ الآيَةَ. هَذِهِ الآيَةُ يَتَوَهَّمُ مِنها الجاهِلُ أنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَ المُصَلِّينَ بِالوَيْلِ، وقَدْ جاءَ في آيَةٍ أُخْرى أنَّ عَدَمَ الصَّلاةِ مِن أسْبابِ دُخُولِ سَقَرَ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ [المدثر: ٤٢ - ٤٣] . والجَوابُ عَنْ هَذا في غايَةِ الظُّهُورِ، وهو أنَّ التَّوَعُّدَ بِالوَيْلِ مُنْصَبٌّ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ الآيَةَ [الماعون: ٥ - ٦]، وهُمُ المُنافِقُونَ عَلى التَّحْقِيقِ، وإنَّما ذَكَرْنا هَذا الجَوابَ مَعَ ضَعْفِ الإشْكالِ؛ وظُهُورِ الجَوابِ عَنْهُ لِأنَّ الزَّنادِقَةَ الَّذِينَ لا يُصَلُّونَ يَحْتَجُّونَ لِتَرْكِ الصَّلاةِ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَقَدْ سَمِعْنا مِن ثِقاتٍ وغَيْرِهِمْ: أنَّ رَجُلًا قالَ لِظالِمٍ تارِكٍ لِلصَّلاةِ: ما لَكَ لا تُصَلِّي ؟ فَقالَ لِأنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَ عَلى الصَّلاةِ بِالوَيْلِ في قَوْلِهِ ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾، فَقالَ لَهُ: اقْرَأْ بَعْدَها، فَقالَ لا حاجَةَ لِي فِيما بَعْدَها فِيها كِفايَةٌ في التَّحْذِيرِ مِنَ الصَّلاةِ، ومِن هَذا القَبِيلِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎دَعِ المَساجِدَ لِلْعِبادِ تَسْكُنُها وسِرْ إلى حانَةِ الخَمّارِ يَسْقِينا ؎ما قالَ رَبُّكَ ويْلٌ لِلْأُولى سَكِرُوا ∗∗∗ وإنَّما قالَ ويْلٌ لِلْمُصَلِّينا فَإذا كانَ اللَّهُ تَعالى تَوَعَّدَ بِالوَيْلِ المُصَلِّي الَّذِي هو ساهٍ عَنْ صَلاتِهِ ويُرائِي فِيها، فَكَيْفَ بِالَّذِي لا يُصَلِّي أصْلًا، فالوَيْلُ كُلُّ الوَيْلِ لَهُ وعَلَيْهِ لِعائِنُ اللَّهِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ما لَمْ يَتُبْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب