الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ . هَذا هو المُسْتَثْنى مِنَ الإنْسانِ المُتَقَدِّمِ، مِمّا دَلَّ عَلى العُمُومِ كَما قَدَّمْنا، والإيمانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ وشَرْعًا الِاعْتِقادُ الجازِمُ بِأرْكانِ الإيمانِ السِّتَّةِ، في حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ لَمّا سَألَهُ عَنِ الإسْلامِ والإيمانِ والإحْسانِ. ”وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ“: العَطْفُ يَقْتَضِي المُغايَرَةَ. وَلِذا قالَ بَعْضُ النّاسِ: إنَّ الأعْمالَ لَيْسَتْ داخِلَةً في تَعْرِيفِ الإيمانِ، ومَقالاتُهم مَعْرُوفَةٌ. والجُمْهُورُ: أنَّ الإيمانَ اعْتِقادٌ بِالجَنانِ، ونُطْقٌ بِاللِّسانِ، وعَمَلٌ بِالجَوارِحِ. فالعَمَلُ داخِلٌ فِيهِ ويَزِيدُ ويَنْقُصُ، وقَدْ قَدَّمْنا: أنَّ العَمَلَ شَرْطٌ أقْرَبُ مِن أنْ يَكُونَ جُزْءًا، أيْ أنَّ الإيمانَ يَصْدُقُ بِالِاعْتِقادِ، ولا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلى العَمَلِ، ولَكِنَّ العَمَلَ شَرْطٌ في الِانْتِفاعِ بِالإيمانِ، إذا تَمَكَّنَ العَبْدُ مِنَ العَمَلِ، ومِمّا يَدُلُّ لِكَوْنِ الإيمانِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الِاعْتِقادِ والنُّطْقِ، ولَوْ لَمْ يَتَمَكَّنِ العَبْدُ مِنَ العَمَلِ، قِصَّةُ الصَّحابِيِّ الَّذِي أسْلَمَ عِنْدَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ، وقاتَلَ، واسْتَشْهَدَ ولَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ رَكْعَةً، فَدَخَلَ الجَنَّةَ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِقادِ لا يَنْفَعُ صاحِبَهُ، كَما كانَ يَعْتَقِدُ عَمُّ النَّبِيِّ ﷺ صِحَّةَ رِسالَتِهِ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَلِمَةً يُحاجُّ لَهُ ﷺ بِها، وكَذَلِكَ لَوِ اعْتَقَدَ ونَطَقَ بِالشَّهادَتَيْنِ، ولَمْ يَعْمَلْ كانَ مُناقِضًا لِقَوْلِهِ. (p-٩٤)وَقَدْ قَدَّمْنا هَذِهِ المَسْألَةَ مُفَصَّلَةً. والصّالِحاتُ: جَمْعُ صالِحَةٍ، وتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ وشُرُوطُ كَوْنِ العَمَلِ صالِحًا بِأدِلَّتِهِ مِن كَوْنِهِ مُوافِقًا لِكِتابِ اللَّهِ، وعَمَلَهُ صاحِبُهُ خالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ وكَوْنِهِ صادِرًا مِن مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ، إلَخْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾ . يُعْتَبَرُ التَّواصِي بِالحَقِّ مِنَ الخاصِّ بَعْدَ العامِّ؛ لِأنَّهُ داخِلٌ في عَمَلِ الصّالِحاتِ. وَقِيلَ: إنَّ التَّواصِيَ أنْ يُوصِيَ بَعْضُهم بَعْضًا بِالحَقِّ. وَقِيلَ: الحَقُّ كُلُّ ما كانَ ضِدَّ الباطِلِ، فَيَشْمَلُ عَمَلَ الطّاعاتِ، وتَرْكَ المَعاصِي. واعْتَبَرَ هَذا أساسًا مِن أُسُسِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، بِقَرِينَةِ التَّواصِي بِالصَّبْرِ، أيْ عَلى الأمْرِ والنَّهْيِ، عَلى ما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الحَقُّ هو القُرْآنُ؛ لِشُمُولِهِ كُلَّ أمْرٍ وكُلَّ نَهْيٍ، وكُلَّ خَيْرٍ، ويَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى في حَقِّ القُرْآنِ: ﴿وَبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ وبِالحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: ١٠٥] . وَقَوْلُهُ: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] . وَقَدْ جاءَتْ آياتُهُ في القُرْآنِ تَدُلُّ عَلى أنَّ الوَصِيَّةَ بِالحَقِّ تَشْمَلُ الشَّرِيعَةَ كُلَّها، أُصُولَها وفُرُوعَها، ماضِيَها وحاضِرَها، مِن ذَلِكَ ما وصّى اللَّهُ بِهِ الأنْبِياءَ وعُمُومًا، مِن نُوحٍ وإبْراهِيمَ ومَن بَعْدَهم في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] . وَإقامَةُ الدِّينِ القِيامُ بِكُلِّيَّتِهِ، وقَدْ كانَتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ عَمَلَ الرُّسُلِ لِأُمَمِهِمْ ومَن بَعْدَهم، فَنَفَّذَها إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَوَصّى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يابَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢] . وَمِن بَعْدِ إبْراهِيمَ يَعْقُوبُ كَما قالَ تَعالى: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ إلَهًا واحِدًا ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣] . (p-٩٥)فَهَذا تَواصِي الأُمَمِ بِأصْلِ الإيمانِ وعُمُومِ الشَّرِيعَةِ، وكَذَلِكَ بِالعِبادَةِ مِن صَلاةٍ وزَكاةٍ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿‎وَأوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا﴾ ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي﴾ [مريم: ٣١ - ٣٢] . وَكَذَلِكَ الحالَةُ الِاجْتِماعِيَّةُ ماثِلَةٌ في الوَصِيَّةِ بِالوالِدَيْنِ والأوْلادِ، لِتَرابُطِ الأُسْرَةِ، فَفي الوالِدَيْنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلى وهْنٍ وفِصالُهُ في عامَيْنِ أنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ إلَيَّ المَصِيرُ﴾ ﴿وَإنْ جاهَداكَ عَلى أنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وصاحِبْهُما في الدُّنْيا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٤ - ١٥] . وَفِي الأبْناءِ قالَ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] . وَفِي الحُقُوقِ العامَّةِ أوامِرٌ ونَواهِي، عِباداتٌ ومُعامَلاتٌ، جاءَتْ آياتُ الوَصايا العَشْرِ الَّتِي قالَ عَنْها ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَن أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى وصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي عَلَيْها خاتَمَهُ فَلْيَقْرَأْ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهم ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ وأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ بِالقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها وإذا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا ولَوْ كانَ ذا قُرْبى وبِعَهْدِ اللَّهِ أوْفُوا ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿وَأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١ - ١٥٣] . تِلْكَ الوَصايا الجامِعَةُ أبْوابَ الخَيْرِ المُوَصِّدَةُ أبْوابَ الشَّرِّ والمُذَيَّلَةُ بِهَذا التَّبْيِينِ والتَّعْرِيفِ ﴿وَأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ . وَلَوْ أرَدْنا أنْ نَرْبِطَ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ التَّواصِي بِالحَقِّ وبَيْنَهُما وبَيْنَ فاتِحَةِ الكِتابِ، لَكانَتِ النَّتِيجَةُ كالآتِي في قَوْلِهِ: ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾، إحالَةً عَلى تِلْكَ الوَصايا، وهي شامِلَةٌ جامِعَةٌ ومُعَنْوَنٌ لَها بِأنَّها صِراطُ اللَّهِ المُسْتَقِيمُ. (p-٩٦)فَكَأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾، مُساوِيًا لِقَوْلِهِ: وتَواصَوْا بِالصِّراطِ المُسْتَقِيمِ. واسْتَقِيمُوا عَلَيْهِ. ثُمَّ في سُورَةِ الفاتِحَةِ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، وهَذا صِراطُ اللَّهِ المُسْتَقِيمُ فاتَّبِعُوهُ. فَكانَتْ سُورَةُ العَصْرِ مُشْتَمِلَةً عَلى التَّواصِي بِالِاسْتِقامَةِ عَلى صِراطِ اللَّهِ المُسْتَقِيمِ واتِّباعِهِ، ويَأْتِي عَقِبَها قَوْلُهُ: ﴿وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ٣]، بِمَثابَةِ التَّثْبِيتِ عَلى هَذا الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ إذِ الصَّبْرُ لازِمٌ عَلى عَمَلِ الطّاعاتِ، كَما هو لازِمٌ لِتَرْكِ المُنْكَراتِ. وَتِلْكَ الوَصايا العَشْرُ جَمَعَتْ أمْرًا ونَهْيًا فِعْلًا وتَرْكًا، وكَذَلِكَ فِيهِ الإشارَةُ إلى ما يَقُولُهُ دُعاةُ الإسْلامِ مِن أنَّ العَمَلَ الصّالِحَ والدَّعْوَةَ إلى الحَقِّ والتَّواصِي بِهِ، فِيهِ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وغالِبًا مَن يَقُومُ بِهِ يَتَعَرَّضُ لِأذى النّاسِ، فَلَزِمَهُمُ التَّواصِي بِالصَّبْرِ، كَما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ يُوصِيهِ وجامِعًا في وصِيَّتِهِ وصِيَّةَ سُورَةِ العَصْرِ إذْ قالَ: ﴿يابُنَيَّ أقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنْكَرِ واصْبِرْ عَلى ما أصابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] . وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ بَيانُ قَواعِدِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ بِالتَّفْصِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكم أنْفُسَكم لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ﴾ [المائدة: ١٠٥]، في سُورَةِ المائِدَةِ. فَصارَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِحَقٍّ جامِعَةً لِأُصُولِ الرِّسالَةِ. كَما رُوِيَ عَنِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّهُ قالَ: لَوْ تَأمَّلَ النّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهم. قَوْلُهُ: ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾، جاءَ الحَثُّ عَلى التَّواصِي بِالرَّحْمَةِ أيْضًا مَعَ الصَّبْرِ، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧] . وَبِهَذِهِ الوَصايا الثَّلاثِ: بِالتَّواصِي بِالحَقِّ، والتَّواصِي بِالصَّبْرِ والتَّواصِي بِالمَرْحَمَةِ، تَكْتَمِلُ مُقَوِّماتُ المُجْتَمَعِ المُتَكامِلِ قِوامُهُ الفَضائِلُ المُثْلى، والقِيَمُ الفُضْلى. لِأنَّ بِالتَّواصِي بِالحَقِّ إقامَةَ الحَقِّ، والِاسْتِقامَةَ عَلى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ. (p-٩٧)وَبِالتَّواصِي بِالصَّبْرِ، يَسْتَطِيعُونَ مُواصَلَةَ سَيْرِهِمْ عَلى هَذا الصِّراطِ، ويَتَخَطَّوْنَ كُلَّ عَقَباتٍ تُواجِهُهم. وَبِالتَّواصِي بِالمَرْحَمَةِ: يَكُونُونَ مُرْتَبِطِينَ كالجَسَدِ الواحِدِ، وتِلْكَ أُعْطِياتٌ لَمْ يُعْطِها إلّا القُرْآنُ وأعْطاها في هَذِهِ السُّورَةِ المُوجَزَةِ. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. * * * * تَنْبِيهٌ قالَ الفَخْرُ الرّازِيُّ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أخْبَرَ عَنْ هَؤُلاءِ بِالنَّجاةِ مِنَ الخُسْرانِ، وفَوْزِهِمْ بِالعَمَلِ الصّالِحِ والإيمانِ، أخْبَرَ عَنْهم أنَّهم لَمْ يَكْتَفُوا بِما يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أنْفُسِهِمْ بَلْ تَعَدَّوْا إلى غَيْرِهِمْ، فَدَعَوْهم إلى ما فازُوا بِهِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ ﷺ: «حِبَّ لِأخِيكَ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» ا هـ. مُلَخَّصًا. وَيَشْهَدُ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿وَمَن أحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ وعَمِلَ صالِحًا وقالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ ﴿وَما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: - ٣٥] . فَقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ النّاسَ أقْسامٌ ثَلاثَةٌ إزاءَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ. قَوْمٌ آمَنُوا وقالُوا: رَبُّنا اللَّهُ، واسْتَقامُوا عَلى ذَلِكَ بِالعَمَلِ الصّالِحِ. وَقَوْمٌ ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهم إلى دَعْوَةِ غَيْرِهِمْ وهم أحْسَنُ قَوْلًا بِلا شَكٍّ. وَقَوْمٌ عادُوا الدُّعاةَ وأساءُوا إلَيْهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ مَوْقِفَ الدُّعاةِ مِن أُولَئِكَ المُسِيئِينَ في غُضُونِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ﴾، أيْ: إساءَةُ المُسِيئِينَ بِالَّتِي هي أحْسَنُ، فَيُصْبِحُوا أوْلِياءَ لَكَ، وبَيَّنَ أنَّ هَذِهِ المَنزِلَةَ ﴿وَما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ مَنِ ارْتَفَعَ إلَيْها وسَلَكَ مَسْلَكَها إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. * * * (p-٩٨)تَنْبِيهٌ كُنْتُ سَمِعْتُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ قَوْلَهُ لِلدُّعاةِ عَدُوّانِ: أحَدُهُما مِنَ الإنْسِ. والآخَرُ مِنَ الشَّياطِينِ. وَقَدْ أرْشَدَنا اللَّهُ لِكَيْفِيَّةِ التَّغَلُّبِ عَلَيْهِما واكْتِفاءِ شَرِّهِما. أمّا عَداوَةُ الإنْسِ فَبِمُقابَلَةِ الإساءَةِ بِالإحْسانِ، فَيُصْبِحُ ولِيًّا حَمِيمًا. وَأمّا عَدُوُّ الجِنِّ فَبِالِاسْتِعاذَةِ مِنهُ: ﴿وَإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [فصلت: ٣٦] . نَسْألُ اللَّهَ تَعالى الهِدايَةَ والتَّوْفِيقَ. وَقَدْ أشَرْنا إلى أنَّ الشَّيْخَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ قَدَّمَ مَبْحَثَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكم أنْفُسَكم لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] . وَذَكَرَ سُورَةَ العَصْرِ عِنْدَها، وعَقَدَ مَسائِلَ مُتَعَدِّدَةً في مَنهَجِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، بِما لا غِنى عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب