الباحث القرآني

(p-٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ﴾ أشارَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ إلى تَحْقِيقِ مَعْنى لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ لِأنَّ مَعْناها مُرَكَّبٌ مِن أمْرَيْنِ: نَفْيٌ وإثْباتٌ. فالنَّفْيُ: خَلْعُ جَمِيعِ المَعْبُوداتِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى في جَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ. والإثْباتُ: إفْرادُ رَبِّ السَّماواتِ والأرْضِ وحْدَهُ بِجَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ عَلى الوَجْهِ المَشْرُوعِ. وقَدْ أشارَ إلى النَّفْيِ مِن لا إلَهَ إلّا اللَّهُ بِتَقْدِيمِ المَعْمُولِ الَّذِي هو (إيّاكَ) وقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ في مَبْحَثِ دَلِيلِ الخِطابِ الَّذِي هو مَفْهُومُ المُخالَفَةِ. وفي المَعانِي في مَبْحَثِ القَصْرِ: أنَّ تَقْدِيمَ المَعْمُولِ مِن صِيَغِ الحَصْرِ. وأشارَ إلى الإثْباتِ مِنها بِقَوْلِهِ: (نَعْبُدُ) . وَقَدْ بَيَّنَ مَعْناها المُشارَ إلَيْهِ هُنا مُفَصَّلًا في آياتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢١]، فَصَرَّحَ بِالإثْباتِ مِنها بِقَوْلِهِ: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، وصَرَّحَ بِالنَّفْيِ مِنها في آخِرِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢]، وكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ﴾ فَصَرَّحَ بِالإثْباتِ بِقَوْلِهِ: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وبِالنَّفْيِ بِقَوْلِهِ: ﴿واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ﴾، وكَقَوْلِهِ: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ ويُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى﴾ [البقرة: ٢٥٦] فَصَرَّحَ بِالنَّفْيِ مِنها بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ﴾، وبِالإثْباتِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُؤْمِن بِاللَّهِ﴾، وكَقَوْلِهِ: ﴿وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ﴾ ﴿إلّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٦، ٢٧]، وكَقَوْلِهِ: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] وقَوْلِهِ: ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا أجَعَلْنا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أيْ: لا نَطْلُبُ العَوْنَ إلّا مِنكَ وحْدَكَ؛ لِأنَّ الأمْرَ كُلُّهُ بِيَدِكَ وحْدَكَ لا يَمْلِكُ أحَدٌ مِنهُ مَعَكَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ. وإتْيانُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُتَوَكَّلَ إلّا عَلى مَن يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ؛ لِأنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِيَدِهِ الأمْرُ. وهَذا المَعْنى المُشارُ إلَيْهِ هُنا جاءَ مُبَيَّنًا واضِحًا في آياتٍ أُخَرَ • كَقَوْلِهِ: ﴿فاعْبُدْهُ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ الآيَةَ [هود: ١٢٣]، • وقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ الآيَةَ [التوبة: ١٢٩] • وقَوْلِهِ: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلّا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلًا﴾ [المزمل: ٩] وقَوْلِهِ: (p-٨)﴿قُلْ هو الرَّحْمَنُ آمَنّا بِهِ وعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا﴾ [الملك: ٢٩] وإلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب