الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ رُجُوعٌ إلى حَثِّ المُؤْمِنِينَ وتَجْرِيدِ عَزائِمِهِمْ عَلى قِتالِ الكَفَرَةِ إثْرَ بَيانِ طَرَفٍ مِن قَبائِحِهِمُ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ ﴿ما لَكُمْ﴾ اسْتِفْهامٌ فِيهِ مَعْنى الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ ﴿إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ اثّاقَلْتُمْ﴾ تَباطَأْتُمْ وتَقاعَسْتُمْ، أصْلُهُ تَثاقَلْتُمْ، وقَدْ قُرِئَ كَذَلِكَ، أيْ (أيُّ شَيْءٍ حَصَلَ)، أوْ (حاصِلٌ لَكُمْ)، أوْ: ما تَصْنَعُونَ حِينَ قالَ لَكُمُ النَّبِيُّ ﷺ: (انْفِرُوا) أيِ: اخْرُجُوا إلى الغَزْوِ في سَبِيلِ اللَّهِ مُتَثاقِلِينَ، عَلى أنَّ الفِعْلَ ماضٍ لَفْظًا مُضارِعٌ مَعْنًى،كَأنَّهُ قِيلَ: تَتَثاقَلُونَ، فالعامِلُ في الظَّرْفِ الِاسْتِقْرارُ المُقَدَّرُ في لَكُمْ، أوْ مَعْنى الفِعْلِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَعْمَلَ فِيهِ الحالُ، أيْ: ما لَكم مُتَثاقِلِينَ حِينَ قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا؟! وقُرِئَ (أثّاقَلْتُمْ) عَلى الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ التَّوْبِيخِيِّ، فالعامِلُ في الظَّرْفِ حِينَئِذٍ إنَّما هو الأوَّلُ. ﴿إلى الأرْضِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ(اثّاقَلْتُمْ) عَلى تَضْمِينِهِ مَعْنى المَيْلِ والإخْلادِ، أيِ: اثّاقَلْتُمْ ماثِلِينَ إلى الدُّنْيا وشَهَواتِها الفانِيَةِ عَمّا قَلِيلٍ، وكَرِهْتُمْ مَشاقَّ الغَزْوِ ومَتاعِبَهُ المُسْتَتْبِعَةَ لِلرّاحِلَةِ الخالِدَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ﴾ أوْ إلى الإقامَةِ بِأرْضِكم ودِيارِكُمْ، وكانَ ذَلِكَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ في سَنَةِ عَشْرٍ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنَ الطّائِفِ، اسْتُنْفِرُوا في وقْتِ عُسْرَةٍ وقَحْطٍ وقَيْظٍ، وقَدْ أدْرَكَتْ ثِمارُ المَدِينَةِ، وطابَتْ ظِلالُها مَعَ بُعْدِ الشُّقَّةِ وكَثْرَةِ العَدُوِّ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وقِيلَ: ما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في غَزْوَةٍ غَزاها إلّا ورّى بِغَيْرِها إلّا في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإنَّهُ ﷺ بَيَّنَ لَهُمُ المَقْصِدَ فِيها لِيَسْتَعِدُّوا لَها. ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا﴾ وغُرُورِها ﴿مِنَ الآخِرَةِ﴾ أيْ: بَدَلَ الآخِرَةِ ونَعِيمِها الدّائِمِ ﴿فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أُظْهِرَ في مَقامِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، أيْ: فَما التَّمَتُّعُ بِها وبِلَذائِذِها ﴿فِي الآخِرَةِ﴾ أيْ: في جَنْبِ الآخِرَةِ ﴿إلا قَلِيلٌ﴾ أيْ: مُسْتَحْقَرٌ لا يُؤْبَهُ لَهُ، وفي تَرْشِيحِ الحَياةِ الدُّنْيا - بِما يُؤْذِنُ بِنَفاسَتِها ويَسْتَدْعِي الرَّغْبَةَ فِيها - وتَجْرِيدِ الآخِرَةِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ مُبالَغَةٌ في بَيانِ حَقارَةِ الدُّنْيا ودَناءَتِها، وعِظَمِ شَأْنِ الآخِرَةِ وعُلُوِّها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب