الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ حالِ الأحْبارِ والرُّهْبانِ في إغْوائِهِمْ لِأراذِلِهِمْ إثْرَ بَيانِ سُوءِ حالِ الأتْباعِ في اتِّخاذِهِمْ لَهم أرْبابًا يُطِيعُونَهم في الأوامِرِ والنَّواهِي واتِّباعِهِمْ لَهم فِيما يَأْتُونَ وما يَذَرُونَ. ﴿إنَّ كَثِيرًا مِنَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أمْوالَ النّاسِ بِالباطِلِ﴾ يَأْخُذُونَها بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ؛ لِتَغْيِيرِ الأحْكامِ والشَّرائِعِ والتَّخْفِيفِ والمُسامَحَةِ فِيها، وإنَّما عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالأكْلِ بِناءً عَلى أنَّهُ مُعْظَمُ الغَرَضِ مِنهُ، وتَقْبِيحًا لِحالِهِمْ، وتَنْفِيرًا لِلسّامِعِينَ عَنْهم ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ النّاسَ ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عَنْ دِينِ الإسْلامِ، أوْ عَنِ المَسْلَكِ المُقَرَّرِ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ إلى ما افْتَرَوْهُ وحَرَّفُوهُ بِأخْذِ الرِّشا، أوْ يَصُدُّونَ عَنْهُ بِأنْفُسِهِمْ بِأكْلِهِمُ الأمْوالَ بِالباطِلِ. ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ أيْ: يَجْمَعُونَهُما ويَحْفَظُونَهُما سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالدَّفْنِ أوْ بِوَجْهٍ آخَرَ، والمَوْصُولُ عِبارَةٌ إمّا عَنِ الكَثِيرِ مِنَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ فَيَكُونُ مُبالَغَةً في الوَصْفِ بِالحِرْصِ والضَّنِّ بِهِما - بَعْدَ وصْفِهِمْ بِما سَبَقَ مِن أخْذِ الرِّشا والبَراطِيلِ في الأباطِيلِ - وإمّا عَنِ المُسْلِمِينَ الكانِزِينَ غَيْرِ المُنْفِقِينَ، وهو الأنْسَبُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلا يُنْفِقُونَها في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فَيَكُونُ نَظْمُهم في قَرْنِ المُرْتَشِينَ مِن أهْلِ الكِتابِ تَغْلِيظًا ودِلالَةً عَلى كَوْنِهِمْ أُسْوَةً لَهم في اسْتِحْقاقِ البِشارَةِ بِالعَذابِ الألِيمِ، فالمُرادُ بِالإنْفاقِ في سَبِيلِ اللَّهِ الزَّكاةُ؛ لِما رُوِيَ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلى المُسْلِمِينَ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَفْرِضِ الزَّكاةَ إلّا لِيُطَيِّبَ بِها ما بَقِيَ مِن أمْوالِكُمْ»» ولِقَوْلِهِ ﷺ: ««ما أُدِّيَ زَكاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»» أيْ: بِكَنْزٍ أُوعِدَ عَلَيْهِ، فَإنَّ الوَعِيدَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الإنْفاقِ فِيما أمَرَ اللَّهُ بِالإنْفاقِ فِيهِ. وَأمّا قَوْلُهُ ﷺ: ««مَن تَرَكَ صَفْراءَ أوْ بَيْضاءَ كُوِيَ بِها»» ونَحْوُهُ، فالمُرادُ بِها: ما لَمْ يُؤَدِّ حَقَّها؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ««ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنها حَقَّها إلّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفائِحُ مِن نارٍ فَيُكْوى بِها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ».» ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ خَبَرٌ لِلْمَوْصُولِ، والفاءُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الشَّرْطِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ مَنصُوبًا بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ (فَبَشِّرْهُمْ).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب