الباحث القرآني
﴿وَقالَتِ اليَهُودُ﴾ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأةٌ، سِيقَتْ لِتَقْرِيرِ ما مَرَّ مِن عَدَمِ إيمانِ أهْلِ الكِتابَيْنِ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ، وانْتِظامِهِمْ بِذَلِكَ في سِلْكِ المُشْرِكِينَ ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وقُرِئَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، عَلى أنَّهُ اسْمٌ أعْجَمِيٌّ كَعازِرَ وعِزارَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ والتَّعْرِيفِ، وأمّا تَعْلِيلُهُ بِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ أوْ بِجَعْلِ الِابْنِ وصْفًا عَلى أنَّ الخَبَرَ مَحْذُوفٌ - فَتَعَسُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.
قِيلَ: هو قَوْلُ قُدَمائِهِمْ، ثُمَّ انْقَطَعَ فَحَكى اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ عَنْهُمْ، ولا عِبْرَةَ بِإنْكارِ اليَهُودِ، وقِيلَ: قَوْلُ بَعْضٍ مِمَّنْ كانَ بِالمَدِينَةِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّهُ جاءَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ناسٌ مِنهُمْ، وهم سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، ونُعْمانُ بْنُ أوْفى، وشاسُ بْنُ قَيْسٍ، ومالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، فَقالُوا ذَلِكَ.
وَقِيلَ: قالَهُ فِنْحاصُ بْنُ عازُوراءَ، وهو الَّذِي قالَ: (إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ)، وسَبَبُ هَذا القَوْلِ أنَّ اليَهُودَ قَتَلُوا الأنْبِياءَ بَعْدَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرَفَعَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمُ التَّوْراةَ ومَحاها مِن قُلُوبِهِمْ، فَخَرَجَ عُزَيْرٌ وهو غُلامٌ يَسِيحُ في الأرْضِ فَأتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ لَهُ: أيْنَ تَذْهَبُ؟ قالَ: أطْلُبُ العِلْمَ، فَحَفَّظَهُ التَّوْراةَ، فَأمْلاها عَلَيْهِمْ عَنْ ظَهْرِ لِسانِهِ لا يَخْرِمُ حَرْفًا، فَقالُوا: ما جَمَعَ اللَّهُ التَّوْراةَ في صَدْرِهِ وهو غُلامٌ إلّا أنَّهُ ابْنُهُ.
قالَ الإمامُ الكَلْبِيُّ: لَمّا قَتَلَ بُخْتُنَصَّرُ عُلَماءَهم جَمِيعًا وكانَ عُزَيْرٌ إذْ ذاكَ صَغِيرًا، فاسْتَصْغَرَهُ ولَمْ يَقْتُلْهُ، فَلَمّا رَجَعَ بَنُو إسْرائِيلَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ - ولَيْسَ فِيهِمْ مَن يَقْرَأُ التَّوْراةَ - بَعَثَ اللَّهُ تَعالى عُزَيْرًا لِيُجَدِّدَ لَهُمُ التَّوْراةَ، ويَكُونَ آيَةً بَعْدَما أماتَهُ مِائَةَ عامٍ.
يُقالُ: إنَّهُ أتاهُ مَلَكٌ بِإناءٍ فِيهِ ماءٌ فَسَقاهُ، فَمَثُلَتْ في صَدْرِهِ، فَلَمّا أتاهم فَقالَ لَهُمْ: إنِّي عُزَيْرٌ، كَذَّبُوهُ، فَقالُوا: إنْ كُنْتَ كَما تَزْعُمُ فَأمْلِ عَلَيْنا التَّوْراةَ فَفَعَلَ، فَقالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَقْذِفِ التَّوْراةَ في قَلْبِ رَجُلٍ إلّا لِأنَّهُ ابْنُهُ، تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّ اليَهُودَ أضاعُوا التَّوْراةَ وعَمِلُوا بِغَيْرٍ الحَقِّ، فَأنْساهُمُ اللَّهُ تَعالى التَّوْراةَ، ونَسَخَها مِن صُدُورِهِمْ، ورَفَعَ التّابُوتَ فَتَضَرَّعَ عُزَيْرٌ إلى اللَّهِ تَعالى، وابْتَهَلَ إلَيْهِ فَعادَ حِفْظُ التَّوْراةِ إلى قَلْبِهِ، فَأنْذَرَ قَوْمَهُ بِهِ، ثُمَّ إنَّ التّابُوتَ نَزَلَ فَعَرَضُوا ما تَلاهُ عُزَيْرٌ عَلى ما فِيهِ فَوَجَدُوهُ مِثْلَهُ، فَقالُوا ما قالُوا.
﴿وَقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ هو أيْضًا قَوْلُ بَعْضِهِمْ، وإنَّما قالُوهُ اسْتِحالَةً لِأنْ يَكُونَ ولَدٌ بِغَيْرِ أبٍ، أوْ لِأنْ يَفْعَلَ ما فَعَلَهُ مِن إبْراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ وإحْياءِ المَوْتى مَن لَمْ يَكُنْ إلَهًا ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما صَدَرَ عَنْهم مِنَ العَظِيمَتَيْنِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلدَّلالَةِ عَلى بُعْدِ دَرَجَةِ المُشارِ إلَيْهِ في الشَّناعَةِ والفَظاعَةِ ﴿قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ﴾ إمّا تَأْكِيدٌ لِنِسْبَةِ القَوْلِ المَذْكُورِ إلَيْهِمْ ونَفْيِ التَّجَوُّزِ عَنْها، أوْ إشْعارٌ بِأنَّهُ قَوْلٌ مُجَرَّدٌ عَنِ البُرْهانِ، وتَحْقِيقٌ مُماثِلٌ لِلْمُهْمَلِ المَوْجُودِ في الأفْواهِ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ مِصْداقٌ في الخارِجِ.
﴿يُضاهِئُونَ﴾ أيْ: في الكُفْرِ والشَّناعَةِ، وقُرِئَ بِغَيْرِ هَمْزٍ ﴿قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: يُشابِهُ قَوْلُهم - عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ عِنْدَ انْقِلابِهِ مَرْفُوعًا - قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴿مِن قَبْلُ﴾ أيْ: مِن قَبْلِهِمْ، وهُمُ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: المَلائِكَةُ بَناتُ - أوِ اللّاتُ والعُزّى - (p-60)بَناتُ اللَّهِ، لا قُدَماؤُهم كَما قِيلَ، إذْ لا تَعَدُّدَ في القَوْلِ حَتّى يَتَأتّى التَّشْبِيهُ، وجَعْلُهُ بَيْنَ قَوْلَيِ الفَرِيقَيْنِ مَعَ اتِّحادِ المَقُولِ لَيْسَ فِيهِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلنَّصارى، أيْ: يُضاهِي قَوْلُهُمُ (المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) قَوْلَ اليَهُودِ: عُزَيْرٌ... إلَخْ، لِأنَّهم أقْدَمُ مِنهُمْ، وهو أيْضًا كَما تَرى، فَإنَّهُ يَسْتَدْعِي اخْتِصاصَ الرَّدِّ والإبْطالَ بِقَوْلِهِ تَعالى: (ذَلِكَ قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ) بِقَوْلِ النَّصارى.
﴿قاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ دُعاءٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالإهْلاكِ، فَإنَّ مَن قاتَلَهُ اللَّهُ هَلَكَ، أوْ تَعَجُّبٌ مِن شَناعَةِ قَوْلِهِمْ ﴿أنّى يُؤْفَكُونَ﴾ كَيْفَ يُصْرَفُونَ مِنَ الحَقِّ إلى الباطِلِ، والحالُ أنَّهُ لا سَبِيلَ إلَيْهِ أصْلًا؟!
{"ayah":"وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ عُزَیۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَ ٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡۖ یُضَـٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَبۡلُۚ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق