الباحث القرآني
﴿فَسِيحُوا﴾ السِّياحَةُ والسَّيْحُ الذَّهابُ في الأرْضِ والسَّيْرُ فِيها بِسُهُولَةٍ عَلى مُقْتَضى المَشِيئَةِ، كَسِيحَ الماءُ عَلى مُوجِبِ الطَّبِيعَةِ، فَفِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى كَمالِ التَّوْسِعَةِ والتَّرْفِيهِ ما لَيْسَ في سِيرُوا ونَظائِرِهِ، وزِيادَةُ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فِي الأرْضِ﴾ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ لِأقْطارِها مِن دارِ الإسْلامِ وغَيْرِها، والمُرادُ: إباحَةُ ذَلِكَ لَهم وتَخْلِيَتُهم وشَأْنَهم مِنَ الِاسْتِعْدادِ لِلْحَرْبِ، أوْ تَحْصِينِ الأهْلِ والمالِ، وتَحْصِيلِ المَهابِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ لا تَكْلِيفُهم بِالسِّياحَةِ فِيها، وتَلْوِينُ الخِطابِ بِصَرْفِهِ عَنِ المُسْلِمِينَ وتَوْجِيهِهِ إلَيْهِمْ - مَعَ حُصُولِ المَقْصُودِ بِصِيغَةِ أمْرِ الغائِبِ أيْضًا - لِلْمُبالَغَةِ في الإعْلامِ بِالإمْهالِ حَسْمًا لِمادَّةِ تَعَلُّلِهِمْ بِالغَفْلَةِ، وقَطْعًا لِشَأْفَةِ اعْتِذارِهِمْ بِعَدَمِ الِاسْتِعْدادِ، وإيثارُ صِيغَةِ الأمْرِ - مَعَ تَسَنِّي إفادَةِ ذَلِكَ المَعْنى بِطَرِيقِ الإخْبارِ أيْضًا كَأنْ يُقالُ مَثَلًا: فَلَكم أنْ تَسِيحُوا أوْ نَحْوُ ذَلِكَ - لِإظْهارِ كَمالِ القُوَّةِ والغَلَبَةِ، وعَدَمِ الِاكْتِراثِ (p-41)لَهم ولِاسْتِعْدادِهِمْ، فَكَأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ مَطْلُوبٌ مِنهُمْ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ الأمْرِ بِالسِّياحَةِ وما يَعْقُبُهُ عَلى ما تُؤْذِنُ بِهِ البَراءَةُ المَذْكُورَةُ مِنَ الحِرابِ، عَلى أنَّ الأوَّلَ مُتَرَتِّبٌ عَلى نَفْسِهِ والثّانِيَ - بِكِلا مُتَعَلِّقَيْهِ - عَلى عُنْوانِ كَوْنِهِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ، لا لِتَرْتِيبِ الأوَّلِ عَلَيْهِ والثّانِي عَلى الأوَّلِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا﴾ ... إلَخْ، كَأنَّهُ قِيلَ: هَذِهِ بَراءَةٌ مُوجِبَةٌ لِقِتالِكُمْ، فاسْعَوْا في تَحْصِيلِ العُدَدِ والأسْبابِ، وبالِغُوا في إعْتادِ العَتادِ مِن كُلِّ بابٍ.
﴿أرْبَعَةَ أشْهُرٍ واعْلَمُوا أنَّكُمْ﴾ بِسِياحَتِكم في أقْطارِ الأرْضِ في العَرْضِ والطُّولِ، وإنْ رَكِبْتُمْ مَتْنَ كُلِّ صَعْبٍ وذَلُولٍ ﴿غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ أيْ: لا تَفُوتُونَهُ بِالهَرَبِ والتَّحَصُّنِ ﴿وَأنَّ اللَّهَ﴾ وُضِعَ الِاسْمُ الجَلِيلُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ؛ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، وتَهْوِيلِ أمْرِ الإخْزاءِ، وهو الإذْلالُ بِما فِيهِ فَضِيحَةٌ وعارٌ﴿مُخْزِي الكافِرِينَ﴾ أيْ: مُخْزِيكم ومُذِلُّكم في الدُّنْيا بِالقَتْلِ والأسْرِ، وفي الآخِرَةِ بِالعَذابِ، وإيثارُ الإظْهارِ عَلى الإضْمارِ لِذَمِّهِمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ وصْفِهِمْ بِالإشْراكِ، والإشْعارِ بِأنَّ عِلَّةَ الإخْزاءِ هي كُفْرُهُمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ جِنْسَ الكافِرِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المُخاطَبُونَ دُخُولًا أوَّلِيًا، والمُرادُ "بِالأشْهُرِ الأرْبَعَةِ": هي الأشْهُرُ الحُرُمُ الَّتِي عُلِّقَ القِتالُ بِانْسِلاخِها، فَقِيلَ: هي شَوّالٌ، وذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، وقِيلَ: هي عِشْرُونَ مِن ذِي الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، وصَفَرٌ، وشَهْرُ رَبِيعٍ الأوَّلِ، وعَشْرٌ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ، وجُعِلَتْ حُرَمًا لِحُرْمَةِ قِتالِهِمْ فِيها، أوْ لِتَغْلِيبِ ذِي الحِجَّةِ والمُحَرَّمِ عَلى البَقِيَّةِ، وقِيلَ: مِن عَشْرِ ذِي القِعْدَةِ إلى عَشْرٍ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ؛ لِأنَّ الحَجَّ في تِلْكَ السَّنَةِ كانَ في ذَلِكَ الوَقْتِ لِلنَّسِيءِ الَّذِي كانَ فِيهِمْ، ثُمَّ صارَ في العامِ القابِلِ في ذِي الحِجَّةِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: ««إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ».»
رُوِيَ «أنَّهُ ﷺ أمَرَ أبا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - عَلى مَوْسِمِ سَنَةِ تِسْعٍ، ثُمَّ أتْبَعَهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - عَلى العَضْباءِ لِيَقْرَأها عَلى أهْلِ المَوْسِمِ، فَقِيلَ لَهُ ﷺ: لَوْ بَعَثْتَ بِها إلى أبِي بَكْرٍ، فَقالَ ﷺ: «لا يُؤَدِّي عَنِّي إلّا رَجُلٌ مِنِّي»» وذَلِكَ لِأنَّ عادَةَ العَرَبِ أنْ لا يَتَوَلّى أمْرَ العَهْدِ والنَّقْضِ عَلى القَبِيلَةِ إلّا رَجُلٌ مِنها، فَلَمّا دَنا عَلِيٌّ سَمِعَ أبُو بَكْرٍ الرُّغاءَ فَوَقَفَ، فَقالَ: هَذا رُغاءُ ناقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمّا لَحِقَهُ، قالَ: أمِيرٌ أوْ مَأْمُورٌ؟ قالَ: مَأْمُورٌ فَمَضِيا، فَلَمّا كانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ خَطَبَ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحَدَّثَهم عَنْ مَناسِكِهِمْ، وقامَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْكُمْ، فَقالُوا: بِماذا؟ فَقَرَأ عَلَيْهِمْ ثَلاثِينَ أوْ أرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ قالَ: أُمِرْتُ بِأرْبَعٍ: أنْ لا يَقْرَبَ البَيْتَ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيانٌ، ولا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلّا كُلُّ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ، وأنْ يُتَمَّ إلى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ.
{"ayah":"فَسِیحُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُمۡ غَیۡرُ مُعۡجِزِی ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِی ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











