الباحث القرآني

﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا﴾ البُنْيانُ مَصْدَرٌ أُرِيدَ بِهِ المَفْعُولُ ووَصْفُهُ بِالمَوْصُولِ "الَّذِي" صِلَتُهُ فِعْلُهُ لِلْإيذانِ بِكَيْفِيَّةِ بِنائِهِمْ لَهُ، وتَأْسِيسِهِ عَلى أوْهَنِ قاعِدَةٍ، وأوْهى أساسٍ، ولِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ، أيْ: لا يَزالُ مَسْجِدُهم ذَلِكَ مَبْنِيًّا ومَهْدُومًا. ﴿رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ﴾ أيْ: سَبَبَ رِيبَةٍ وشَكٍّ في الدِّينِ كَأنَّهُ نَفْسُ الرِّيبَةِ، أمّا حالَ بُنْيانِهِ فَظاهِرٌ - لِما أنَّ اعْتِزالَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ واجْتِماعَهم في مَجْمَعٍ عَلى حِيالِهِ يُظْهِرُونَ فِيهِ ما في قُلُوبِهِمْ مِن آثارِ الكُفْرِ والنِّفاقِ، ويُدَبِّرُونَ فِيهِ أُمُورَهُمْ، ويَتَشاوَرُونَ في ذَلِكَ، ويُلْقِي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ ما سَمِعُوا مِن أسْرارِ المُؤْمِنِينَ مِمّا يَزِيدُهم رِيبَةً وشَكًّا في الدِّينِ - وأمّا حالَ هَدْمِهِ فَلِما أنَّهُ رَسَخَ بِهِ ما كانَ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الشَّرِّ، وتَضاعَفَتْ آثارُهُ وأحْكامُهُ، أوْ سَبَّبَ رِيبَةً في أمْرِهِمْ حَيْثُ ضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ، وهي اعْتِقادُهم بِخَفاءِ أمْرِهِمْ عَلى المُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهم أظْهَرُوا مِن أمْرِهِمْ بَعْدَ البِناءِ أكْثَرَ مِمّا كانُوا يُظْهِرُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وقْتَ اخْتِلاطِهِمْ بِالمُؤْمِنِينَ، وساءَتْ ظُنُونُهم بِأنْفُسِهِمْ، فَلَمّا هُدِمَ بُنْيانُهم تَضاعَفَ ذَلِكَ الضَّعْفُ وتَقَوّى، وصارُوا مُرْتابِينَ في أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَلْ يَتْرُكُهم عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِن قَبْلُ، أوْ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِمْ ونَهْبِ أمْوالِهِمْ، وقالَ الكَلْبِيُّ: مَعْنى (رِيبَةً) حَسْرَةً ونَدامَةً، وقالَ السُّدِّيُّ، وحَبِيبٌ، والمُبَرِّدُ: لا يَزالُ هَدْمُ بُنْيانِهِمْ حَزازَةً وغَيْظًا في قُلُوبِهِمْ. ﴿إلا أنْ تَقَطَّعَ﴾ مِنَ التَّفَعُّلِ بِحَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ، أيْ: إلّا أنْ تَتَقَطَّعَ ﴿قُلُوبِهِمْ﴾ قِطَعًا وتَتَفَرَّقَ أجْزاءً بِحَيْثُ لا يَبْقى لَها قابِلِيَّةُ إدْراكٍ، وإضْمارُ قِطَعًا - وهو اسْتِثْناءٌ مِن أعَمِّ الأوْقاتِ، أوْ أعَمِّ الأحْوالِ ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ - أيْ: لا يَزالُ بُنْيانُهم رِيبَةً في كُلِّ الأوْقاتِ، أوْ كُلِّ الأحْوالِ إلّا وقْتَ تَقَطُّعِ قُلُوبِهِمْ، أوْ حالَ تَقَطُّعِ قُلُوبِهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَسْلُونَ عَنْها، وأمّا ما دامَتْ سالِمَةً فالرِّيبَةُ باقِيَةٌ فِيها، فَهو تَصْوِيرٌ لِامْتِناعِ زَوالِ الرِّيبَةِ عَنْ قُلُوبِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ حَقِيقَةَ تَقَطُّعِها عِنْدَ قَتْلِهِمْ، أوْ في القُبُورِ، أوْ في النّارِ، وقُرِئَ (تُقَطَّعُ) عَلى بِناءِ المَجْهُولِ مِنَ التَّفْعِيلِ، وعَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ مِنهُ عَلى خِطابِ النَّبِيِّ ﷺ أيْ: إلّا أنْ تُقَطِّعَ أنْتَ قُلُوبَهم بِالقَتْلِ، وقُرِئَ عَلى البِناءِ لِلْمَجْهُولِ مِنَ الثُّلاثِيِّ مُذَكَّرًا ومُؤَنَّثًا، وقُرِئَ (إلى أنْ تُقَطِّعَ قُلُوبَهُمْ) و(إلى أنْ تُقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) عَلى الخِطابِ، وقُرِئَ (وَلَوْ قُطِّعَتْ قُلُوبُهُمْ) عَلى إسْنادِ الفِعْلِ مَجْهُولًا إلى قُلُوبِهِمْ، (وَلَوْ قَطَّعْتَ قُلُوبَهُمْ) عَلى الخِطابِ لِلرَّسُولِ ﷺ أوْ لِكُلِّ أحَدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِطابِ، وقِيلَ: إلّا أنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً تَتَقَطَّعُ بِها قُلُوبُهم نَدَمًا وأسَفًا عَلى تَفْرِيطِهِمْ. ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بِجَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما ذُكِرَ مِن أحْوالِهِمْ ﴿حَكِيمٌ﴾ في جَمِيعِ أفْعالِهِ الَّتِي مِن زُمْرَتِها أمْرُهُ الوارِدُ في حَقِّهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب