الباحث القرآني

﴿وَإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ جَمِيلِ صُنْعِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - بِالمُؤْمِنِينَ مَعَ ما بِهِمْ مِن قِلَّةِ الحَزْمِ، ودَناءَةِ الهِمَّةِ، وقُصُورِ الرَّأْيِ، والخَوْفِ والجَزَعِ، و"إذْ" مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِمُضْمَرٍ خُوطِبَ بِهِ المُؤْمِنُونَ بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ والِالتِفاتِ، و"إحْدى الطّائِفَتَيْنِ" مَفْعُولٌ ثانٍ لِيَعِدُكُمْ، أيِ: اذْكُرُوا وقْتَ وعْدِ اللَّهِ إيّاكم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ، وتَذْكِيرُ الوَقْتِ مَعَ أنَّ المَقْصُودَ تَذْكِيرُ ما فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ المُبالَغَةِ في إيجابِ ذِكْرِها، لِما أنَّ إيجابَ ذِكْرِ الوَقْتِ إيجابٌ لِذِكْرِ ما وقَعَ فِيهِ بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ، ولِأنَّ الوَقْتَ مُشْتَمِلٌ عَلى ما وقَعَ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ بِتَفاصِيلِها، فَإذا اسْتُحْضِرَ كانَ ما وقَعَ فِيهِ حاضِرًا مُفَصَّلًا كَأنَّهُ مُشاهَدٌ عِيانًا، وقُرِئَ (يَعِدْكُمْ) بِسُكُونِ الدّالِ تَخْفِيفًا، وصِيغَةُ المُضارِعِ لِحِكايَةِ الحالِ (p-7)الماضِيَةِ لِاسْتِحْضارِ صُورَتِها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنَّها لَكُمْ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن إحْدى الطّائِفَتَيْنِ مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ الوَعْدِ، أيْ: يَعِدُكم أنَّ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ كائِنَةٌ لَكُمْ، مُخْتَصَّةٌ بِكُمْ، مُسَخَّرَةٌ لَكُمْ، تَتَسَلَّطُونَ عَلَيْها تَسَلُّطَ المُلّاكِ، وتَتَصَرَّفُونَ فِيهِمْ كَيْفَ شِئْتُمْ. ﴿وَتَوَدُّونَ﴾ عَطْفٌ عَلى يَعِدُكم داخِلٌ تَحْتَ الأمْرِ بِالذِّكْرِ، أيْ: تُحِبُّونَ ﴿أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ مِنَ الطّائِفَتَيْنِ لا ذاتَ الشَّوْكَةِ وهي النَّفِيرُ، ورَئِيسُهم أبُو جَهْلٍ وهم ألْفُ مُقاتِلٍ، وغَيْرُ ذاتِ الشَّوْكَةِ هي العِيرُ، إذْ لَمْ يَكُنْ فِيها إلّا أرْبَعُونَ فارِسًا ورَأْسُهم أبُو سُفْيانَ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِهَذا العُنْوانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى سَبَبِ وِدادَتِهِمْ لِمُلاقاتِهِمْ ومُوجَبِ كَراهَتِهِمْ ونَفْرَتِهِمْ عَنْ مُوافاةِ النَّفِيرِ، والشَّوْكَةُ الحِدَّةُ، مُسْتَعارَةٌ مِن واحِدَةِ الشَّوْكِ، وشَوْكُ القَنا شَباها. ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ عَطْفٌ عَلى تَوَدُّونَ مُنْتَظِمٌ مَعَهُ في سِلْكِ التَّذْكِيرِ، لِيُظْهِرَ لَهم عَظِيمَ لُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ مَعَ دَناءَةِ هِمَمِهِمْ وقُصُورِ آرائِهِمْ، أيِ: اذْكُرُوا وقْتَ وعْدِهِ تَعالى إيّاكم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ، ووِدادَتَكم لِأدْناهُما، وإرادَتَهُ تَعالى لِأعْلاهُما، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يُحِقَّ الحَقَّ﴾ أيْ: يُثْبِتَهُ ويُعْلِيَهُ ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ أيْ: بِآياتِهِ المُنَزَّلَةِ في هَذا الشَّأْنِ، أوْ بِأوامِرِهِ لِلْمَلائِكَةِ بِالإمْدادِ، وبِما قَضى مِن أسْرِهِمْ وقَتْلِهِمْ وطَرْحِهِمْ في قَلِيبِ بَدْرٍ، وقُرِئَ بِكَلِمَتِهِ. ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ﴾ أيْ: آخِرَهم ويَسْتَأْصِلَهم بِالمَرَّةِ، والمَعْنى: أنْتُمْ تُرِيدُونَ سَفْسافَ الأُمُورِ، واللَّهُ - عَزَّ وعَلا - يُرِيدُ مَعالِيَها، وما يَرْجِعُ إلى عُلُوِّ كَلِمَةِ الحَقِّ وسُمُوِّ رُتْبَةِ الدِّينِ، وشَتّانَ بَيْنَ المُرادَيْنِ، وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب