الباحث القرآني
﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ﴾ مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ مُسْتَأْنَفٍ، خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ بِطَرِيقِ التَّجْرِيدِ حَسْبَما تَنْطِقُ بِهِ الكافُ، لِما أنَّ المَأْمُورَ بِهِ مِمّا لا يَسْتَطِيعُهُ غَيْرُهُ ﷺ فَإنَّ الوَحْيَ المَذْكُورَ قَبْلَ ظُهُورِهِ بِالوَحْيِ المَتْلُوِّ عَلى لِسانِهِ ﷺ لَيْسَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يَقِفُ عَلَيْها عامَّةُ الأُمَّةِ كَسائِرِ النِّعَمِ السّابِقَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذِكْرِ وقْتِها بِطَرِيقِ الشُّكْرِ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدامَ﴾ فَلا بُدَّ حِينَئِذٍ مِن عَوْدِ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في بِهِ إلى الرَّبْطِ عَلى القُلُوبِ لِيَكُونَ المَعْنى: ويُثَبِّتَ أقْدامَكم بِتَقْوِيَةِ قُلُوبِكم وقْتَ إيحائِهِ إلى المَلائِكَةِ وأمْرِهِ بِتَثْبِيتِهِمْ إيّاكُمْ، وهو وقْتُ القِتالِ، ولا يَخْفى أنَّ تَقْيِيدَ التَّثْبِيتِ المَذْكُورِ بِوَقْتٍ مُبْهَمٍ عِنْدَهم لَيْسَ فِيهِ مَزِيدُ فائِدَةٍ، وأمّا انْتِصابُهُ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ ثالِثٌ مِن (إذْ يَعِدُكُمْ) كَما قِيلَ فَيَأْباهُ تَخْصِيصُ الخِطابِ بِهِ ﷺ مَعَ ما عَرَفْتَ مِن أنَّ المَأْمُورَ بِهِ لَيْسَ مِنَ الوَظائِفِ العامَّةِ لِلْكُلِّ كَسائِرِ أخَواتِهِ، وفي التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الربوبية مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ ﷺ مِنَ التَّنْوِيهِ والتَّشْرِيفِ ما لا يَخْفى، والمَعْنى: اذْكُرْ وقْتَ إيحائِهِ تَعالى إلى المَلائِكَةِ ﴿أنِّي مَعَكُمْ﴾ أيْ: بِالإمْدادِ والتَّوْفِيقِ في أمْرِ التَّثْبِيتِ، فَهو مَفْعُولُ يُوحِي، وقُرِئَ بِالكَسْرِ عَلى إرادَةِ القَوْلِ، أوْ إجْراءِ الوَحْيِ مَجْراهُ، وما يُشْعِرُ بِهِ دُخُولُ كَلِمَةِ (مَعَ) مِن مَتْبُوعِيَّةِ المَلائِكَةِ إنَّما هي مِن حَيْثُ إنَّهُمُ المُباشِرُونَ لِلتَّثْبِيتِ صُورَةً، فَلَهُمُ الأصالَةُ مِن تِلْكَ الحَيْثِيَّةِ كَما في أمْثالِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ (إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ)﴾، والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، فَإنَّ إمْدادَهُ تَعالى إيّاهم مِن أقْوى مُوجِباتِ التَّثْبِيتِ.
واخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ التَّثْبِيتِ، فَقالَتْ جَماعَةٌ: إنَّما أُمِرُوا بِتَثْبِيتِهِمْ بِالبِشارَةِ وتَكْثِيرِ السَّوادِ ونَحْوِهِما مِمّا تَقْوى بِهِ قُلُوبُهُمْ، وتَصِحُّ عَزائِمُهم ونِيّاتُهُمْ، ويَتَأكَّدُ جِدُّهم في القِتالِ، وهو الأنْسَبُ بِمَعْنى التَّثْبِيتِ وحَقِيقَتِهِ الَّتِي هي عِبارَةٌ عَنِ الحَمْلِ عَلى الثَّباتِ في مَوْطِنِ الحِرابِ، والجِدِّ في مُقاساةِ شَدائِدِ القِتال.
وَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ كانَ المَلَكُ يَتَشَبَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ بِوَجْهِهِ، فَيَأْتِي ويَقُولُ: إنّى سَمِعْتُ المُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: واللَّهِ لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنا لَنَنْكَشِفَنَّ، ويَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَيَقُولُ: أبْشِرُوا فَإنَّ اللَّهَ تَعالى ناصِرُكُمْ، وقالَ آخَرُونَ: أُمِرُوا بِمُحارَبَةِ أعْدائِهِمْ، وجَعَلُوا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿سَأُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنِّي مَعَكُمْ﴾ وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿فاضْرِبُوا﴾ ... إلَخْ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَثَبِّتُوا﴾ مُبَيِّنًا لِكَيْفِيَّةِ التَّثْبِيتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي داوُدَ المازِنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أنَّهُ قالَ: اتَّبَعْتُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأضْرِبَهُ، فَوَقَعَتْ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيَّ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: لَقَدْ رَأيْتُنا يَوْمَ بَدْرٍ وإنَّ أحَدَنا يُشِيرُ بِسَيْفِهِ إلى المُشْرِكِ فَتَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ السَّيْفُ، وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ قَتْلَهم لِلْكَفَرَةِ مَعَ عَدَمِ مُلاءَمَتِهِ لِمَعْنى تَثْبِيتِ المُؤْمِنِينَ مِمّا لا يَتَوَقَّفُ عَلى الإمْدادِ بِإلْقاءِ الرُّعْبِ فَلا يَتَّجِهُ تَرْتِيبُ الأمْرِ بِهِ عَلَيْهِ بِالفاءِ، وقَدِ اعْتَذَرَ الأوَّلُونَ بِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (سَأُلْقِي)... إلَخْ لَيْسَ بِنَصٍّ فِيما ذُكِرَ، بَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تَلْقِينًا لِلْمَلائِكَةِ ما يُثَبِّتُونَهم بِهِ (p-11)كَأنَّهُ قِيلَ: قُولُوا لَهُمْ: ﴿سَأُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا﴾ ... إلَخْ.
فالضّارِبُونَ هُمُ المُؤْمِنُونَ، وأمّا ما قِيلَ مِن أنَّ ذَلِكَ خِطابٌ مِنهُ تَعالى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالذّاتِ عَلى طَرِيقِ التَّلْوِينِ فَمَبْناهُ تَوَهُّمُ وُرُودِهِ قَبْلَ القِتالِ وأنّى ذَلِكَ؟! والسُّورَةُ الكَرِيمَةُ إنَّما نَزَلَتْ بَعْدَ تَمامِ الوَقْعَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوْقَ الأعْناقِ﴾ أيْ: أعالِيَها الَّتِي هي المَذابِحُ أوِ الهاماتُ ﴿واضْرِبُوا مِنهم كُلَّ بَنانٍ﴾ قِيلَ: البَنانُ أطْرافُ الأصابِعِ مِنَ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، وقِيلَ: هي الأصابِعُ مِنَ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: البَنانُ المَفاصِلُ وكُلُّ مَفْصِلٍ بَنانَةٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُرَيْجٍ، والضَّحّاكُ: يَعْنِي الأطْرافَ، أيِ: اضْرِبُوهم في جَمِيعِ الأعْضاءِ مِن أعالِيها إلى أسافِلِها، وقِيلَ: المُرادُ بِالبَنانِ الأدانِي وبِفَوْقِ الأعْناقِ الأعالِي، والمَعْنى: فاضْرِبُوا الصَّنادِيدَ والسَّفَلَةَ، وتَكْرِيرُ الأمْرِ بِالضَّرْبِ لِمَزِيدِ التَّشْدِيدِ والِاعْتِناءِ بِأمْرِهِ، ومِنهم مُتَعَلِّقٌ بِهِ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِمّا بَعْدَهُ.
{"ayah":"إِذۡ یُوحِی رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ أَنِّی مَعَكُمۡ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۚ سَأُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُوا۟ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُوا۟ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











