الباحث القرآني
﴿والوَزْنُ﴾؛ أيْ: وزْنُ الأعْمالِ، والتَّمْيِيزُ بَيْنَ راجِحِها وخَفِيفِها، وجَيِّدِها ورَدِيئِها، ورَفْعُهُ عَلى الِابْتِداءِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ خَبَرُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَقُّ﴾ صِفَتُهُ؛ أيْ: والوَزْنُ الحَقُّ ثابِتٌ يَوْمَ إذْ يَكُونُ السُّؤالُ والقَصُّ. وقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما ذَلِكَ الوَزْنُ ؟ فَقِيلَ: الحَقُّ؛ أيِ: العَدْلُ السَّوِيُّ.
وَقُرِئَ: ( القِسْطُ )، واخْتُلِفَ في كَيْفِيَّةِ الوَزْنِ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ صَحائِفَ الأعْمالِ هي الَّتِي تُوزَنُ بِمِيزانٍ لَهُ لِسانٌ وكِفَّتانِ يَنْظُرُ إلَيْهِ الخَلائِقُ، إظْهارًا لِلْمُعادَلَةِ وقَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ، كَما يَسْألُهم عَنْ أعْمالِهِمْ فَتَعْتَرِفُ بِها ألْسِنَتُهم وجَوارِحُهم، ويَشْهَدُ عَلَيْهِمُ الأنْبِياءُ والمَلائِكَةُ والأشْهادُ، وكَما يُثْبَتُ في صَحائِفِهِمْ فَيَقْرَءُونَها في مَوْقِفِ الحِسابِ، ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ أنَّ الرَّجُلَ يُؤْتى بِهِ إلى المِيزانِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ سِجِلًّا مَدَّ البَصَرِ، فَيُخْرَجُ لَهُ بِطاقَةٌ فِيها كَلِمَتا الشَّهادَةِ، فَتُوضَعُ السِّجِلّاتُ في كِفَّةٍ والبِطاقَةُ في كِفَّةٍ، فَتَطِيشُ السِّجِلّاتُ وتَثْقُلُ البِطاقَةُ.
وَقِيلَ: يُوزَنُ الأشْخاصُ، لِما رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " «أنَّهُ لَيَأْتِي العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ» " .
وَقِيلَ: (p-213)الوَزْنُ: عِبارَةٌ عَنِ القَضاءِ السَّوِيِّ والحُكْمِ العادِلِ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، والأعْمَشُ، والضَّحّاكُ، واخْتارَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُتَأخِّرِينَ؛ بِناءً عَلى أنَّ اسْتِعْمالَ لَفْظِ الوَزْنِ في هَذا المَعْنى شائِعٌ في اللُّغَةِ والعُرْفِ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ، قالُوا: إنَّ المِيزانَ إنَّما يُرادُ بِهِ: التَّوَصُّلُ إلى مَعْرِفَةِ مَقادِيرِ الشَّيْءِ، ومَقادِيرُ أعْمالِ العِبادِ لا يُمْكِنُ إظْهارُها بِذَلِكَ؛ لِأنَّها أعْراضٌ قَدْ فَنِيَتْ، وعَلى تَقْدِيرِ بَقائِها لا تَقْبَلُ الوَزْنَ.
وَقِيلَ: إنَّ الأعْمالَ الظّاهِرَةَ في هَذِهِ النَّشْأةِ بِصُوَرٍ عَرَضِيَّةٍ تَبْرُزُ في النَّشْأةِ الآخِرَةِ بِصُوَرٍ جَوْهَرِيَّةٍ مُناسِبَةٍ لَها في الحُسْنِ والقُبْحِ، حَتّى أنَّ الذُّنُوبَ والمَعاصِيَ تَتَجَسَّمُ هُناكَ، وتَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ النّارِ، وعَلى ذَلِكَ حُمِلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾، وكَذا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَقِّ مَن يَشْرَبُ مِن إناءِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ: " «إنَّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نارَ جَهَنَّمَ» "، ولا بُعْدَ في ذَلِكَ، ألا يُرى أنَّ العِلْمَ يَظْهَرُ في عالَمِ المِثالِ عَلى سُورَةِ اللَّبَنِ، كَما لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ خِبْرَةٌ بِأحْوالِ الحَضِراتِ الخَمْسِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: أنَّهُ يُؤْتى بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ عَلى صُوَرٍ حَسَنَةٍ، وبِالأعْمالِ السَّيِّئَةِ عَلى صُوَرٍ قَبِيحَةٍ، فَتُوضَعُ في المِيزانِ، إنْ قِيلَ: إنَّ المُكَلَّفَ يَوْمَ القِيامَةِ إمّا مُؤْمِنٌ بِأنَّهُ تَعالى حَكِيمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الجَوْرِ.
فَيَكْفِيهِ حُكْمُهُ تَعالى بِكَيْفِيّاتِ الأعْمالِ وكَمِّيّاتِها، وإمّا مُنْكِرٌ لَهُ فَلا يُسَلِّمُ حِينَئِذٍ أنَّ رُجْحانَ بَعْضِ الأعْمالِ عَلى بَعْضٍ، لِخُصُوصِيّاتٍ راجِعَةٍ إلى ذَواتِ تِلْكَ الأعْمالِ، بَلْ يُسْنِدُهُ إلى إظْهارِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ، فَما الفائِدَةُ في الوَزْنِ ؟ أُجِيبَ بِأنَّهُ يَنْكَشِفُ الحالُ يَوْمَئِذٍ، وتَظْهَرُ جَمِيعُ الأشْياءِ بِحَقائِقِها عَلى ما هي عَلَيْهِ، وبِأوْصافِها وأحْوالِها في أنْفُسِها مِنَ الحُسْنِ والقُبْحِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وتَنْخَلِعُ عَنِ الصُّوَرِ المُسْتَعارَةِ الَّتِي بِها ظَهَرَتْ في الدُّنْيا، فَلا يَبْقى لِأحَدٍ مِمَّنْ يُشاهِدُها شُبْهَةٌ في أنَّها هي الَّتِي كانَتْ في الدُّنْيا بِعَيْنِها، وإنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنها قَدْ ظَهَرَ في هَذِهِ النَّشْأةِ بِصُورَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ المُسْتَتْبِعَةِ لِصِفاتِهِ، ولا يَخْطُرُ بِبالِهِ خِلافُ ذَلِكَ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ تَفْصِيلٌ لِلْأحْكامِ المُتَرَتِّبَةِ عَلى الوَزْنِ، والمَوازِينُ إمّا جَمْعُ مِيزانٍ أوْ جَمْعُ مَوْزُونٍ، عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ: ما لَهُ وزْنٌ وقَدْرٌ، وهو الحَسَناتُ، فَإنَّ رُجْحانَ أحَدِهِما مُسْتَلْزِمٍ لِرُجْحانِ الآخَرِ؛ أيْ: فَمَن رَجَحَتْ مَوازِينُهُ الَّتِي تُوزَنُ بِها حَسَناتُهُ، أوْ أعْمالُهُ الَّتِي لَها قَدْرٌ وزِنَةٌ، وعَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: وحُقَّ لِمِيزانٍ تُوضَعُ فِيهِ الحَسَناتُ أنْ يَثْقُلَ، وحُقَّ لِمِيزانٍ تُوضَعُ فِيهِ السَّيِّئاتُ أنْ يَخِفَّ.
﴿فَأُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِثِقَلِ المِيزانِ، والجَمْعِيَّةُ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ، كَما أنَّ جَمْعَ المَوازِينِ لِذَلِكَ، وأمّا ضَمِيرُ مَوازِينِهِ فَراجِعٌ إلَيْهِ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ، وبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الفَضْلِ والشَّرَفِ.
﴿هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ الفائِزُونَ بِالنَّجاةِ والثَّوابِ، و" هم " إمّا ضَمِيرُ فَصْلٍ يَفْصِلُ بَيْنَ الخَبَرِ والصِّفَةِ، ويُؤَكِّدُ النِّسْبَةَ ويُفِيدُ اخْتِصاصَ المُسْنَدِ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ، أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ المُفْلِحُونَ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِأُولَئِكَ، وتَعْرِيفُ المُفْلِحُونَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُمُ النّاسُ الَّذِينَ بَلَغَكَ أنَّهم مُفْلِحُونَ في الآخِرَةِ، أوْ إشارَةٌ إلى ما يَعْرِفُهُ كُلُّ أحَدٍ مِن حَقِيقَةِ المُفْلِحِينَ وخَصائِصِهِمْ.
{"ayah":"وَٱلۡوَزۡنُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق