الباحث القرآني
وَأيًّا ما كانَ؛ فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا آتاهُما صالِحًا﴾ لَمّا آتاهُما ما طَلَباهُ أصالَةً، واسْتِتْباعًا مِنَ الوَلَدِ ووَلَدِ الوَلَدِ ما تَناسَلُوا؛ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَعَلا﴾؛ أيْ: جَعَلَ أوْلادُهُما، ﴿لَهُ﴾ تَعالى.
﴿شُرَكاءَ﴾ عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مُقامَهُ، ثِقَةً بِوُضُوحِ الأمْرِ وتَعْوِيلًا عَلى ما يَعْقُبُهُ مِنَ البَيانِ.
وَكَذا الحالُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِيما آتاهُما﴾؛ أيْ: فِيما آتى أوْلادَهُما مِنَ الأوْلادِ، حَيْثُ سَمَّوْهم بِعَبْدِ مَنافٍ، وعَبْدِ العُزّى، ونَحْوِ ذَلِكَ، وتَخْصِيصُ إشْراكِهِمْ هَذا بِالذِّكْرِ في مَقامِ التَّوْبِيخِ، مَعَ أنَّ إشْراكَهم بِالعِبادَةِ أغْلَظُ مِنهُ جِنايَةً وأقْدَمُ وُقُوعًا، لِما أنَّ مَساقَ النَّظْمِ الكَرِيمِ لِبَيانِ إخْلالِهِمْ بِالشُّكْرِ في مُقابَلَةِ نِعْمَةِ الوَلَدِ الصّالِحِ، وأوَّلُ كُفْرِهِمْ في حَقِّهِ إنَّما هو تَسْمِيَتُهم إيّاهُ بِما ذُكِرَ.
وَقُرِئَ: ( شِرْكًا )؛ أيْ: شَرِكَةً، أوْ ذَوِي شَرِكَةٍ؛ أيْ: شُرَكاءَ، إنْ قِيلَ ما ذُكِرَ مِن حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مُقامَهُ، إنَّما يُصادَرُ إلَيْهِ فِيما يَكُونُ لِلْفِعْلِ مُلابَسَةٌ ما بِالمُضافِ إلَيْهِ أيْضًا بِسِرايَتِهِ إلَيْهِ حَقِيقَةً أوْ حُكْمًا، وتَتَضَمَّنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ صُورَةَ مَزِيَّةٍ يَقْتَضِيها المَقامُ، كَما في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ ...﴾ الآيَةَ؛ فَإنَّ الإنْجاءَ مِنهم مَعَ أنَّ تَعَلُّقَهُ حَقِيقَةً، لَيْسَ إلّا بِأسْلافِ اليَهُودِ قَدْ نُسِبَ إلى أخِلافِهِمْ بِحُكْمِ سِرايَتِهِ إلَيْهِمْ؛ تَوْفِيَةً لِمَقامِ الِامْتِنانِ حَقَّهُ، وكَذا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِياءَ اللَّهِ ...﴾ الآيَةَ؛ فَإنَّ القَتْلَ حَقِيقَةً مَعَ كَوْنِهِ مِن جِنايَةِ آبائِهِمْ قَدْ أُسْنِدَ إلَيْهِمْ بِحُكْمِ رِضاهم بِهِ أداءً لِحَقِّ مَقامِ التَّوْبِيخِ والتَّبْكِيتِ.
وَلا رَيْبَ في أنَّهُما عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ بَرِيئانِ مِن سِرايَةِ الجَعْلِ المَذْكُورِ إلَيْهِما بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَما وجْهُ إسْنادِهِ إلَيْهِما صُورَةً ؟ قُلْنا: وجْهُهُ الإيذانُ بِتَرْكِهِما الأوْلى، حَيْثُ أقْدَما عَلى نَظْمِ أوْلادِهِما في سِلْكِ أنْفُسِهِما، والتَزَما شُكْرَهم في ضِمْنِ شُكْرِهِما، وأقْسَما عَلى ذَلِكَ قَبْلَ تَعَرُّفِ أحْوالِهِمْ، بِبَيانِ أنَّ إخْلالَهم بِالشُّكْرِ الَّذِي وعَداهُ وعْدًا مُؤَكَّدًا بِاليَمِينِ، بِمَنزِلَةِ إخْلالِهِما بِالذّاتِ في اسْتِيجابِ الحِنْثِ والخُلْفِ، مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإشْعارِ بِتَضاعُفِ جِنايَتِهِمْ بِبَيانِ أنَّهم بِجَعْلِهِمُ المَذْكُورَ أوْقَعُوهُما في ورْطَةِ الحِنْثِ والخُلْفِ، وجَعَلُوهُما كَأنَّهُما باشَراهُ بِالذّاتِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الجِنايَةِ عَلى اللَّهِ تَعالى والجِنايَةِ عَلَيْهِما عَلَيْهِما السَّلامُ.
﴿فَتَعالى اللَّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ تَنْزِيهٌ فِيهِ مَعْنى التَّعَجُّبِ، والفاءُ لِتَرْتِيبِهِ عَلى ما فُصِّلَ مِن أحْكامِ قدرته تعالى، وآثارِ نِعْمَتِهِ الزّاجِرَةِ عَنِ الشِّرْكِ، الدّاعِيَةِ إلى التَّوْحِيدِ، وصِيغَةُ الجَمْعِ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ مَن تَعَيُّنِ الفاعِلِ، وتَنْزِيهِ آدَمَ وحَوّاءَ عَنْ ذَلِكَ.
وَ" ما " في " ﴿عَمّا﴾ " إمّا مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ: عَنْ إشْراكِهِمْ، أوْ مَوْصُولَةٌ أوْ مَوْصُوفَةٌ؛ أيْ: عَمّا يُشْرِكُونَهُ بِهِ سُبْحانَهُ، والمُرادُ بِإشْراكِهِمْ: إمّا تَسْمِيَتُهُمُ المَذْكُورَةُ، أوْ مُطْلَقُ إشْراكِهِمُ المُنْتَظِمُ لَها انْتِظامًا أوَّلِيًّا.
وَقُرِئَ: ( تُشْرِكُونَ ) بِتاءِ الخِطابِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ. وقِيلَ: الخِطابُ لِآلِ قُصَيٍّ مِن قُرَيْشٍ، والمُرادُ بِالنَّفْسِ الواحِدَةِ: نَفْسُ قُصَيٍّ، فَإنَّهم خُلِقُوا مِنهُ، وكانَ لَهُ زَوْجٌ مِن جِنْسِهِ عَرَبِيَّةٌ قُرَشِيَّةٌ، وطَلَبا مِنَ اللَّهِ تَعالى ولَدًا صالِحًا، فَأعْطاهُما أرْبَعَةَ بَنِينَ، فَسَمَّياهم عَبْدَ مَنافٍ، وعَبْدَ شَمْسٍ، وعَبْدَ قُصَيٍّ، وعَبْدَ الدّارِ.
وَضَمِيرُ يُشْرِكُونَ لَهُما ولِأعْقابِهِما المُقْتَدِينَ بِهِما، وأمّا ما قِيلَ مِن أنَّهُ لَمّا حَمَلَتْ حَوّاءُ أتاها إبْلِيسُ في صُورَةِ رَجُلٍ، فَقالَ لَها: ما يُدْرِيكِ ما في بَطْنِكِ، لَعَلَّهُ بَهِيمَةٌ، أوْ كَلْبٌ، أوْ خِنْزِيرٌ، وما يُدْرِيكِ مِن أيْنَ يَخْرُجُ، فَخافَتْ مِن (p-305)ذَلِكَ، فَذَكَرَتْهُ لَآدَمَ، فَأهَمَّهُما ذَلِكَ، ثُمَّ عادَ إلَيْها وقالَ: إنِّي مِنَ اللَّهِ تَعالى بِمَنزِلَةٍ، فَإنْ دَعَوْتُهُ أنْ يَجْعَلَهُ خَلْقًا مِثْلَكِ ويُسَهِّلَ عَلَيْكَ خُرُوجَهُ، تُسَمِّيهِ عَبْدَ الحَرْثِ، وكانَ اسْمُهُ حارِثًا في المَلائِكَةِ؛ فَقَبِلَتْ، فَلَمّا ولَدَتْهُ سَمَّتْهُ عَبْدَ الحَرْثِ؛ فَمِمّا لا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ، كَيْفَ لا وأنَّهُ ﷺ كانَ عَلَمًا في عِلْمِ الأسْماءِ والمُسَمَّياتِ، فَعَدَمُ عِلْمِهِ بِإبْلِيسِ واسْمِهِ واتِّباعُهُ إيّاهُ في مِثْلِ هَذا الشَّأْنِ الخَطِيرِ أمْرٌ قَرِيبٌ مِنَ المُحالِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ.
{"ayah":"فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











